تطويع اللغة لتخطي الحواجز الثقافية
الإخباري والخطاب الإعلامي. وهنا برز دور الجزيرة وتفردها: تحديداً القدرة على تطويع اللغة الإنجليزية لتكون لغةً عالمية بحق تخترق كل الحواجز في بث الخبر ونقل المعلومة. باختصار، تلك هي الإجابة التي كنت أرد بها على السؤال الذي وُجه دوماً إليّ حول قبول العمل في قناة إخبارية غير غربية. عندها أشير بإصبعي إلى جزيرة صقلية على الخريطة، وأقول: «هنا تستقر جذوري، فلماذا أميل إلى واشنطن أكثر من بلدان البحر المتوسط؟» بالطبع ليس الأمر بهذه البساطة، ولكن على أولئك الذين يصرّون على تقسيم العالم إلى قوالب أن يدركوا أن الكثير من الحواجز الثقافية ما هي إلا حواجز وهمية. من بين القصص التي لن أنساها ما حييت، والتي أدين بالفضل للجزيرة بأن جعلتني جزءًا منها، الفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان «الفاشية في أسرتي». فمن خلال هذا الفيلم، قمت بتتبع الروابط التاريخية التي تجمع أسرتي بنظام موسوليني، لأتبين ما إذا كانت الفاشية بالفعل في صعود من جديد، سواء في إيطاليا أو خارجها. ربما يقول البعض إنها قصة تتعلق بالغرب، ولكن العجيب تمثل في ردة الفعل تجاه الفيلم من مختلف شرائح الجمهور. نجد بالطبع أن الجماهير الراضخة تحت وطأة دكتاتورية حالية تتفهم العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى قيام النظام الشمولي. إلا أن رد فعل البريطانيين والأمريكيين، الذين وقفوا خلال الحرب العالمية الثانية في الجانب الصحيح – إن صح التعبير – من التاريخ الأوروبي، والذين لم يعانوا من نظام دكتاتوري في السابق، كانت
تطويع اللغة لتخطي الحواجز الثقافية مذيعة في قناة الجزيرة الإنجليزية | باربرا سيرا
لا يمكن الرجوع إلى لحظة بعينها حين تحولت قناة الجزيرة الإنجليزية في أوروبا من كيان غريب غير مألوف إلى لاعبٍ رئيسي ومؤثر في صناعة الإعلام العالمية، محطمة بذلك كثيراً من القوالب الجامدة. العبارة التي نسمعها دوماً في غرفة الأخبار في الجزيرة: «علينا أن نطرق الأبواب التي لا تطرقها المحطات الأخرى، أن ننقل الخبر الذي تغفل عنه القنوات الأخرى، وأن نجعل الإنسان محور هذا الخبر.» لا شك أن التنوع حاضر في صميم عملنا، وبهذا نجحنا في تحويل التشكيك إلى المصداقية. كسرت الجزيرة القوالب الجامدة في عالم «قنوات الأخبار التلفزيونية العالمية». وبخلاف ما ذكرته آنفاً، أفلحت الجزيرة في نقل الواقع الغربي بكل أمانة على شاشات التلفاز. ولكن قبل هذا كله، نجحت الجزيرة في كسر قالب آخر، ربما عن غير قصد، لأن تغطية أغلب مؤسسات الأخبار التلفزيونية «العالمية» لم تكن مركزة على الدول الغربية بالكامل، بل كانت – وربما ما زالت – مركزة على ما يحدث في الولايات المتحدة وبريطانيا فقط. اللغة الإنجليزية هي اللغة السائدة في المجتمع الدولي، ولكنها لا تدور في فراغ، فهي وعاء لنقل الثقافات من المصدر الذي نشأت فيه. وبالتالي، سيكون لهذه الثقافات تأثير غير متكافئ على السرد
يصعب تذكر تفاصيل ما جرى آنذاك، فعند العودة بالذاكرة إلى عام ، بدا العالم وكأنه مكانٌ مختلف تماماً، فقد كان جورج بوش 2006 الابن على رأس الإدارة الأمريكية، وصدر الحكم بإعدام صدام حسين، والأزمة المالية العالمية على وشك الانفجار، و(فيسبوك) متاح أمام كل من لديه عنوان بريد إلكتروني، و(تويتر) كان وليداً في مهده. أيضاً ميلاد قناة الجزيرة الإنجليزية، وتشرفت بأن 2006 شهد عام أكون واحدة من مذيعي القناة الأُوَل في لندن. شعور بالفخر ممزوج بالإثارة، فالجميع في أوروبا ينظر إلى «الجزيرة» بعين من الشك الذي قارب أحياناً بعض المظاهر العدائية. ولأنني أوروبية مسيحية، كنت دوماً أواجه نفس السؤال: «كيف تقبلين العمل في شبكة إخبارية ليست غربية؟» بالطبع لم يصدر هذا السؤال من جانب من يعملون في المجال، فجميعهم يدرك قيمة الجزيرة وإرثها الإعلامي. ونحن الإعلاميين لسنا بمعزل عن الناس، وبالتالي كان هذا السؤال يصدر من العامة، وكان لزاماً علي الاستعداد دوماً للإجابة. قد يبدو ما سأقوله هنا غريباً أو حتى غير مناسب للقراءة، ولكن يجب ذكره كي أوضح كيف كانت الأمور تسير وكيف باتت تشكل واقعاً استثنائياً.
79
78
Made with FlippingBook Online newsletter