في منع تحوّل النّزاع بينهما إلى مواجهة ساخنة، قد تضر أمن قطر وأمن منطقة الخليج كلّها. وســتظهر آثــار هذا التطوّر النّوعي في عالقة قطــر بالواليات المتّحدة أيضا في عالقــات قطر ببقيــة دول الخليج، بحيث تصبح الدّوحة مركــزا تمر به أغلب التّفاعالت، خاصة في المجال السياسي واألمني. وستحسب دول الخليج مستقبال مواقفها من قطر باعتبار المكانة المميّزة التي تحتلّها في سياسة الواليات المتّحدة في منطقة الشّــرق األوسط. ولن تكون تلك المكانة ظرفيّة، أي مرتبطة باإلدارة األميركية الحالية، ألنها تســتند إلى عاملين بنيويين لم تحظ بهما دولة خليجية أخــرى. فمن ناحية، تحظى تلك المكانة المميّزة بإجماع سياســي بين الحزبين الجمهــوري والديمقراطي نظــرا ألهمية قطر ألمن الواليات المتّحدة األميركية. ومــن ناحيــة أخرى، تتميّز قطر عن بقيــة دول الخليج مجتمعة بمتانة العالقات العســكرية بين البنتاغــون وقطر. وينتج عن هذا أمران من شــأنهما تعزيز هذه الفكرة عن أهمية قطر بالنّسبة إلى أميركا، أوّلهما تكفُّل لوبي القوات المسلّحة، وهو أقوى لوبي في الواليات المتّحدة، بالدّفاع عن العالقة االستثنائية مع قطر. وثانيهما اإلجماع السّياســي الذي تحظى به القوات المســلّحة داخل الواليات المتّحدة ومؤسّساتها المختلفة. وبذلك، فإن التطوّرات الظّرفية، مثل االنسحاب األميركي من أفغانســتان، تُسهم في ترســيخ اتّجاهات بنيوية تشكّل عالقة قطر بالواليــات المتّحدة، وتعزيز مكانتهــا المركزيّة في منطقة الخليج. ولن تنحصر فوائد تلك المكانة في قطر وحدها، بل ســتعم دول الخليج، وســتحافظ على التّــوازن بينهــا، وتحفّزها على المزيد من التّقارب. وقد بدأت مؤشّــرات ذلك التّقارب تظهر بعد قمّة العُال، بين القيادة السّعودية ممثلة في ولي العهد، محمد بن سلمان، وأمير قطر، الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني. بالتّــوازي مع هذه التطــوّرات، حقّقت معظم دول الخليج مكاســب اقتصادية بفضل تزايد الطّلب على الطّاقة وارتفاع أسعار النّفط والغاز. وقد تحقّقت تلك المكاســب بالتّزامن مع بداية تعافي االقتصــاد العالمي من آثار جائحة كورونا، واندالع الحرب الروسية على أوكرانيا، التي عزّزت التّماسك بين أعضاء أوبك بالس، خاصّة بين السّــعودية وروســيا، رغم الضّغوط التي مارســتها الواليات المتّحدة والدّول الغربية المستوردة للطّاقة.
117
Made with FlippingBook Online newsletter