التقرير الاستراتيجي 2022 - 2023

مركز الجزيرة للدّراسات

التقرير االستراتيجي 2023 - 2022

2023 يناير/ كانون الثاني

7 ......................................................................................................................................... تصدير 9 .......................................................................................................................................... مقدمة 13 ............................................. الحرب الرّوسية على أوكرانيا في الميزان الجيوسياسي إلياس طنّوس حنّا 25 ........................... تداعيات أزمة تايوان على نفوذ الصين اإلقليمي ومكانتها الدّولية شريفة كالع 37 ........................................ ديناميات األحالف والبحث عن توازن قوى عالمي جديد عزالدين عبد المولى تداعيــات الحــرب الروســية األوكرانيــة علــى الطّاقــة والغــذاء والسّــ ح 47 ................................................................................................................ في المنطقة العربية صباح نعوش 61 ........................................ العالم العربي وحالة الطّوارئ المناخية: مخاطر ومسارات سليم قسّوم الخطــر السّــيبراني وتداعياتــه علــى الشّــرق األوســط فــي ســياق تغيّــرات 71 ........................................................................................................................... البيئة الدّولية حسن الرزو

5

85 ................... إفريقيا: محاوالت النّهوض وعوائق اإلصالح في ظل التّنافس الدّولي سيدي أحمد ولد األمير 97 ...................................................... إيران: راية الثّأر المرفوعة والتّلويح بإسقاط النّظام فاطمة الصمادي 107 ..................... أفغانستان: استمرار األزمة وتشعّباتها السّياسية واالجتماعية واألمنية فاطمة الصمادي العالم العربي: فرص وتحدّيات 115 .................................... دول الخليج: آفاق اقتصادية واعدة وتهديدات أمنية متزايدة الحواس تقية 129 ..................................................... سوريا، ليبيا، اليمن: أزمات ممتدّة وحلول مؤجّلة إعداد جماعي 143 ............................................................ لبنان، العراق، السودان: أزمات الموجة الثانية إعداد جماعي 161 ........ مصر، تونس، األردن: أزمات اقتصادية وسياسية تنذر بانفجارات اجتماعية إعداد جماعي 175 .............................. فلسطين: نضال في ساحات متعدّدة مع استمرار مسار التّطبيع شفيق شقير

6

تصدير

التّقرير االستارتيجي.. جديد الجزيرة للدارسات التّقرير " بإصــدار جديد هــو 2023 يفتتــح مركــز الجزيــرة للدراســات العام . وبذلك يضيف المركز إلى منتجاته السّابقة، من كتب ودوريّات " االســتراتيجي محكّمة وملفّات بحثية وأوراق وتحليالت للشــؤون الجارية، منتجا نوعيا آخر. على الصّعيد 2022 قراءة مركّزة ألبرز أحداث العام " التقرير االستراتيجي " يقدّم الدّولي واإلقليمي، وألهم انعكاسات تلك األحداث على األوضاع المحلية في بلــدان المنطقة العربية. إلى جانب ذلك، يستشــرف التقريــر االتّجاهات العامّة ، فيوازن بين االحتماالت، ويرجّح حســب ما توفّر من 2023 ألحــداث العــام بيانات، سيناريوهات على أخرى. وبين رصد األحداث الرّاهنة واستشراف تطوّراتها المستقبلية، يتفاعل معدّو التقرير مع طائفة من األزمات التي يعيشها العالم وتُمثّل تهديدا جدّيا ألمنه واستقراره، بــدءًا من الحرب الروســية على أوكرانيا، مرورا بالتّوتّــر المتصاعد بين الصين والواليــات المتحــدة في منطقة المحيط الهادئ على خلفية الصراع على تايوان وفــي بحر الصين الجنوبي، وانتهاء بأزمات عالمية أخرى متفاوتة الخطورة مثل ارتفاع أسعار الطاقة والركود االقتصادي والتغيّر المناخي والحروب السّيبرانية. عوائد مالية مهمّة 2022 عربيا، وباســتثناء دول الخليج، التي حقّقت فــي العام بفضل زيادة الطلب على الطاقة وارتفاع أسعارها في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا، يعيش أغلب بلدان المنطقة أزمات سياسية واقتصادية وأمنية مستفحلة. وال يختلف واقع األمر كثيرا بين بلدان الربيع العربي، التي تحوّلت جل مساراتها االنتقالية منذ بداية العشرية الماضية، إلى مآزق سياسية وصراعات مسلّحة، ولم تنجــح إلى حد اآلن في تجاوز أزماتهــا المفتوحة على كل االحتماالت، وبين بلــدان تفجّرت أزماتها مع نهاية العشــرية ذاتها، وزادتهــا التّدخّالت اإلقليمية والصّراعات الدولية تفاقما. يحمل في طيّاته الكثير من الحلول لهذه 2023 بصــورة عامّــة، ال يبدو أن العام األزمات، بل إن أغلبها مرشّح للمزيد من التّعقيد. فال الحرب الرّوسية األوكرانية

7

تســير باتّجاه نهاية قريبة، وال التّوتّر األميركي الصّيني في المحيط الهادئ يتّجه نحو التّهدئة والتوصّل إلى تفاهمات بين القوتين العظميين. في السّياق ذاته، تؤكّد أغلب المؤشّــرات أن أزمات المنطقة العربية، في عمومها، ال تسير نحو الحلّ، وأن البيئة العالمية ال تســاعد على إيجاد تسويات عادلة في المستقبل المنظور. فشــعوب المنطقة، باســتثناء الخليج، مقبلة على المزيد من المعاناة في معيشتها بســبب احتداد األزمات االقتصادية وارتفاع األســعار وتراجع القدرة الشرائية. وفي غياب الحلول وتراجع فرص الحوار الوطني، ال يُســتبعد أن يشــهد عدد من البلدان العربية توتّرات اجتماعية وموجات احتجاجات شعبية، قد تكون أكثر عنفا من موجات االحتجاجات التي شهدتها المنطقة في مراحل سابقة. شارك في إعداد هذه التقرير نخبة من الكُتّاب، بعضهم من باحثي مركز الجزيرة للدراسات، وبعضهم من الباحثين المتعاونين، المتميّزين في مجاالت تخصّصهم، مــن بلدان عربية مختلفة. لهم جميعا جزيل الشــكر والتقدير، ونأمل أن يحقّق هــذا المنتج الجديد اإلضافة النّوعية المرجوّة منه، وأن يُفيد منه القُرّاء وصانعو السّياسات وأصحاب القرار، أيّا كانت مواقعهم. د. محمد المختار الخليل مدير مركز الجزيرة للدراسات 2023 يناير/ كانون الثاني،

8

مقدمة 2022 دخل العالم مع بداية الحرب الروســية على أوكرانيا في فبراير/ شــباط منعطفا خطيرا ال تزال تداعياته اإلقليمية والدّولية في مراحلها األولى. فالسّياقات الجيوسياســية التــي انطلقت فيها الحرب، والترسّــبات التّاريخيــة التي خلّفتها صراعــات الماضي بين الشّــرق والغرب، والتي كانت الحــرب الباردة إحدى عالماتهــا البــارزة، تضفي على هذا التطوّر أبعادا تتجــاوز بكثير طرفي الحرب المباشرين، روسيا وأوكرانيا. وتزداد أهمية الحرب الرّوسية األوكرانية في ضوء األحالف العســكرية واألمنية واالقتصادية، التي تشــهد ديناميكية الفتة، وتعيد تشــكيل موازين القوى العالمية واإلقليمية. فاألبعاد الدّولية لهذه الحرب ليست خافية، ســواء في أســبابها ودوافعها، أو في أطرافها ومحرّكاتها، أو في تأثيراتها ونتائجها. محورية الحرب الرّوســية على أوكرانيا جعلت منها عامال فاعال، ســواء مباشرة أو بصورة غير مباشــرة، في عدد من التطوّرات السّياسية واالقتصادية في العالم . وفي كل األحوال، بات من الصّعب فهم الكثير من األحداث 2022 خالل العام وتحليلها، بما في ذلك المحلّية، دون أخذ هذه الحرب بعين االعتبار، ولو على ســبيل السّياق التّفسيري. فما تشهده أوروبا من احتجاجات اجتماعية متصاعدة وارتفاع قياســي لألسعار وسياسات تقشّفية غير مسبوقة واضطراب في إمدادات الطاقــة؛ ومــا يجري في بحر الصيــن الجنوبي من منــاورات متعدّدة األطراف واألهداف وتوتّر متصاعد في العالقات الصينية األميركية بشأن تايوان؛ وما تمر به مفاوضات الملف النّووي اإليراني من تردّد وتعثّر وغموض بين اتّفاق وشيك وتصعيد وتهديد؛ وما يتشــكّل من تحالفات إقليمية ودولية واســتقطاب سياسي وعســكري واســتراتيجي يوحي بعودة أجواء الحرب البــاردة وتكتّالتها ويعيد إلى ســاحة النّقاش أطروحات األقطاب المتعددة وتغيير شــكل النظام العالمي؛ وما تشــهده الحروب والنّزاعات المسلّحة من تطوير ألدوات ومجاالت جديدة مثل المســيّرات والحروب السّيبرانية؛ كل ذلك تلعب فيه الحرب الرّوسية على أوكرانيا أدوارا متفاوتة.

9

إلى جانب الحرب في أوكرانيا وآثارها القريبة والبعيدة، تتفاعل في مناطق مختلفة من العالم تطوّرات وأزمات، بعضها ممتد وبعضها مســتجدّ، بعضها على نطاق عالمــي وبعضهــا إقليمي أو محلّي. فخطر التغيّر المناخي لم يعد شــأنا نخبويا تتداول فيه النّخب وأهل االختصاص في المؤتمرات أو حمالت النّاشطين، بل أصبح شــأنا كونيّا عامّا وتهديدا مباشرا للبيئة واالقتصاد والغذاء والصّحّة ونمط حياة أعداد متزايدة من البشــر. وباتت شــواهده حاضرة في االحترار المتصاعد والحرائق التي يتّســع نطاقها والفيضانات المدمّرة والجفاف الذي يهدّد الزّراعة واألنهار والثروة الحيوانية. هذه التغيّرات، التي كانت تتأثر بها الشــعوب الفقيرة أكثــر من غيرها، أصبحت نتائجهــا الكارثية مرئية في قلب أوروبا وفي عواصم البلــدان الصّناعية. ومع ذلك، تظل البلــدان والمناطق األدنى نموّا أكثر عُرضة لتلــك اآلثار وأقل جاهزيّــة لمواجهتها. فإفريقيا، التي تعاني أصال من مخلّفات االســتعمار ولواحقه من أنظمة حكم كرّست االستبداد والفساد لعقود، سيكون نصيبهــا من نتائج التغيّرات المناخيــة كبيرا، خاصّة بعدما عاد بعض بلدانها في السنتين األخيرتين إلى الحكم العسكري إثر سلسلة من االنقالبات. فقد عكست تلك االرتدادات موجة اإلصالح السّياسي واالنتقال الدّيمقراطي التي بدأت تنتشر في أنحاء عدّة من القارّة. على الصّعيد اإلقليمي، يســتمر الملف النّووي اإليراني محورا ثابتا تدور حوله الكثير من الخيارات والسّياســات واالســتراتيجيات. وال تزال سياسات طهران في المنطقة تثير الجدل وتســتقطب المواقف وتزيد من مخاوف جيرانها العرب خاصّــة. وفي أفغانســتان، رغم انســحاب القوات األميركية واســتعادة طالبان حكمها بعد عشــرين عاما من الحرب، ال يزال الوضع األمني هشّــا وال تزال الحكومة األفغانية تسعى إلى اعتراف دولي يفك عزلتها ويخفّف عن البالد أعباء اقتصادية متزايدة، وســط جدل داخلي ال يتوقف حول خيارات طالبان السّياسية واالجتماعية. أمّا أوضاع العرب فمنقسمة بين أزمات طالت، وتضاءلت فرص حلّها، وأخرى تتفاعل في األفق وتتخلّق في سياقات محلّية متفاوتة الخطورة. فاألزمات السّورية واليمنية والليبية، التي نشــبت في ســياق الرّبيع العربي، وغذّتها تفاعالت الثّورة

10

والثّــورة المضادّة فــي بعديها المحلّي واإلقليمي، امتدّت وتعقّدت وغابت عنها الحلول رغم تعدّد المبادرات. وأزمات لبنان والعراق والسّــودان، التي اندلعت الحقا، تُراوح مكانها في ظل تقاطع األجندات اإلقليمية وعجز الطّبقة السّياسية بمختلــف مكوّناتها عن الوصول إلى توافقات وطنية وصيغ لتســوية الخالفات تتجاوز حساباتها السّياسية والطّائفية. تتفاعل هذه األزمات في ظروف دولية غير مواتية، تســهم في تعقيدها وتضيف إليها تحدّيات جديدة بدل أن تســاعد على حلّها. وال يُســتبعد أن تندلع في هذا السّياق أزمات أخرى في المنطقة ألسباب اقتصادية واجتماعية تعصف باالستقرار الهش في دول مثل تونس ومصر واألردن. فــي خضــم كل هذه التحــوّالت، تبتعد أكثر فرص التّســوية السّــلمية للقضية الفلســطينية، ويتقلّص أكثر المجال السّياســي والجغرافي الذي يمكن أن يكون إطــارا لحل الدّولتين. فتتســارع دورات التّصعيد اإلســرائيلي مدفوعة بأزمات داخليــة، وتتصاعد وتيــرة الحرب على غزّة وباقي األراضي الفلســطينية. على الجانــب اآلخر، تتعزّز قــدرات المقاومة رغم الحصــار واالحتالل، وتتقارب رؤاها وتنظيماتها وأساليب عملها، وكأنّها بصدد التحوّل إلى خيار وحيد في وجه االحتالل، مع تقلّص الخيارات وضيق هامش الحركة أمام السّلطة الفلسطينية. يقدّم هذا التقرير االستراتيجي، الذي يصدره مركز الجزيرة للدّراسات، قراءة في الوضع الدّولي وعناوينه األساسية (الحرب الروسية األوكرانية والتوتّر المتصاعد بيــن الواليات المتّحدة األميركية والصين)، وفــي أبرز األزمات ذات المخاطر العالمية المتزايدة (االقتصاد والطاقة والمناخ والحروب السّيبرانية). على الصّعيد اإلقليمي، يتناول التّقرير الشّــأن اإليراني ويبحــث أهم ملفّاته داخليّا وخارجيّا. كمــا يبحــث الوضع األفغاني واألولويات المطروحــة على حكومة طالبان بعد عودتها إلى الحكم عقب االنســحاب األميركي. ويســتعرض التّقرير كذلك أبرز التّطوّرات التي شهدها الفضاء اإلفريقي وما تواجهه دول القارّة من تحدّيات إلى جانب الفرص المتاحة أمامها. أمّا العالم العربي، فقد خصّص له التّقرير مساحة مكاسب 2022 أوســع، تناول فيها أوّال منطقة الخليج، التي ســجّلت في العام اقتصاديــة مهمّة بفضــل بداية تعافي االقتصاد العالمي مــن آثار جائحة كورونا والحرب الروسية األوكرانية، التي تسبّبت في ارتفاع الطّلب على الطّاقة، وبالتّالي

11

ارتفاع أسعارها. ولكن هذه المكاسب تترافق مع تحدّيات أمنية بنيوية وصعوبات تواجه محاوالت دول الخليج تنويع اقتصاداتها. وتشترك باقي البلدان العربية في حالة األزمة العامّة التي تعيشها، وإن بتفاوت في نطاقها وحدّتها. وتظل القضية الفلسطينية عنوانا بارزا في كل هذه التحوّالت، وقد شهدت ساحاتها في الداخل والخارج تطوّرات مهمّة، رغم الجمود السّياســي على مستوى التّسوية السّلمية، والمأزق الذي انتهى إليه حل الدّولتين. هذه القراءة ترصد األوضاع التي أشرنا ، وتستشــرف التطوّرات المحتملة في كل 2022 إليها أعاله، كما بدت في العام . 2023 منها خالل العام

المحرر 2022 الدّوحة، ديسمبر/ كانون األول

12

الحرب الروسية على أوكارنيا في الميازن الجيوسياسي إلياس طنّوس حنّا مقدمة خالل سبعة وسبعين عاما من عمر النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية - 1950 الثانيــة، وقعت الكثير من الحروب من بينها الحرب الكوريّة بين عامي . خالل هاتين الحربين، قاتلت 1975 - 1955 ، والحرب الفيتناميّة بين عامي 1953 أميركا كال من االتحاد السوفيتي والصين خارج أراضيها، أي على األرض الكوريّة والفيتناميّة. وقد شكّلت هاتان الحربان االختبارات األولى لمتانة وصالبة النظام العالمي الذي كان قيد التشــكّل، ولم يكن قد وصل بعد إلى نقطة االســتقرار. بعد عقود من الصراع بين قطبيه األميركي والروسي، تخلّلتها حروب بالوكالة في أغلب مناطق العالم وأقاليمه، تمكّن هذا النظام من الصمود واستمر حتى سقوط . وبعد انهيار نظام القطبية الثنائية، انتقل العالم إلى 1989 جــدار برلين في العام نظام أحادي القطب تقوده الواليات المتحدة ويهيمن عليه الغرب عموما. ورغم تعدد الحروب والصراعات التي نشــأت في ظل النظام العالمي الجديد، إال أن أيّا منها لم يشــكّل تحدّيا جدّيا الســتقراره مثلما هي الحال مع الحرب الروســية علــى أوكرانيا. ويعــود ذلك إلى عدة عوامل، أهمّها مســرح الحرب وأطرافها وأهدافها. فالحرب تدور في قلب أوروبا، التي كانت إلى وقت قريب تظن أن الحرب العالمية الثانية هي آخر الحروب التي تُخاض على مســرحها. وأحد أطرافها روســيا، وريثة االتحاد الســوفيتي، العدو التاريخي للغرب، بينما طرفها الثاني، أوكرانيا، التي تســعى لالنضمام إلى حلف الناتو وتعزيز حضوره علــى الحدود الروســية. أما أهداف الحرب كما تتردد في الخطاب السياســي الروســي فهي اإلطاحة بالنظام العالمي الرّاهن وإعادة تشــكيله على أسس أكثر عدال تقوم على تعدد األقطاب بدال من القطب الواحد. تفســيرا مغريا، خاصة ألولئك الذين تستهويهم فكرة " مودلســكي " يقدّم نموذج

13

النهايــة القريبــة للنظام العالمي الراهن. فالمفكّر األميركي، جورج مودلســكي، يعتبر أن أي نظام عالمي ال يمكن أن يســتمر أكثر من مئة ســنة مقسّــمة على ). تســود الفوضى 1 أربــع مراحــل تدوم كل مرحلة خمســة وعشــرين عاما ( والحــروب في المرحلة األولى، وفي المرحلــة الثّانية تظهر قوة عالميّة مهيمنة تحقق االســتقرار وتقود النّظام العالمي، وفي المرحلة الثّالثة تتآكل شرعيّة القوّة المهيمنــة وشــرعيّة النّظام الذي تقوده، أما المرحلــة الرّابعة فيعود فيها الوضع إلى المربّع األوّل، حيث تســود الفوضى وتنشب الحروب العالمية. حسب هذا النموذج، يمكن اعتبار الحرب الروســية على أوكرانيا الشــرارة التي ستنقلنا من المرحلة الثّالثة إلى المرحلة الرّابعة، التي يتفكّك فيها النظام العالمي السائد لينشأ علــى أنقاضــه نظام عالمي جديد. غير أن مؤشّــرات كثيرة تدل على عكس هذ االتجــاه، وتؤكّد أن هذه الحرب وفّرت للغرب فرصة لتجديد نظامه وترســيخ قواعده ليســتمر لسنوات وربما لعقود قادمة. تقدّم هذه الورقة قراءة في أحداث الحرب الروســية على أوكرانيا على عدة مســتويات، تبدأ من وضع الحرب في ميزان الحســابات الجيوسياســية للقوى الكبرى، ثم تناقش أبعادها االستراتيجية والعمالنية والتكتيكية. وفي األخير تحاول استشــراف السيناريوهات المستقبلية التي يمكن أن تتطور إليها األحداث. الحرب االوكارنيّة في ميازن المُسلّمات الجيوسياسية للقوى الكبرى لــكل دولة مســلّمات جيوسياســية ال يمكنها التخلّي عنها. فهــي صمّام أمنها القومــي، وهي اإلطــار الفكري الذي تبني عليه اســتراتيجياتها الكبرى وتُحدّد على أساســه الوســائل ال ّلّزمة لتحقيق أهدافها االستراتيجية، وهي السند الذي ). هناك 2 ترتكــز عليه لتلعب أدوارها وتضمن موقعها فــي المنظومة العالميّة ( مُســلّمات ثابتة مثل الجغرافيا والطوبوغرافيا وما تراكمه تجارب األمم وتختزنه الذاكرة الجماعية، وهناك مسلّمات متغيّرة تفرضها السياقات الطارئة والتحوّالت المفاجئة مثل تغيير النظام أو الحاكم أو السياسات أو التحالفات. ضمن المسلّمات الجيوسياسية للقوى الكبرى، تقع أوكرانيا على تقاطع حسابات كل من روســيا والواليات المتّحدة األميركية. فهي جغرافيّا، تقع ضمن المحيط

14

المباشــر لروســيا، ومنها هاجم هتلر االتحاد الســوفيتي خالل الحرب العالميّة الثانية. وهي تاريخيّا، مرتبطة بروســيا القيصريّة، كما ارتبطت باالتحاد السوفيتي روســيا " ســابقا وبروســيا الحقا، لذلك ينظر إليها الكثير من الروس باعتبارها . وتريدها روسيا ضمن مناطق نفوذها، " روســيا الكبرى " بالنســبة إلى " الصغرى ألنها تشكّل المنطقة العازلة في محيطها المباشر، خاصة تجاه حلف الناتو الذي يتمدد شرقا. في المقابل، تقع أوكرانيا ضمن مسلّمات الواليات المتّحدة األميركية كما ضمن مســلّمات حلف الناتــو. وألن أميركا دولة بمحيطين، هما المحيط األطلســي والمحيط الهادئ، فمن الطبيعي أن تكون القارة األوروبيّة، كما شرق آسيا، ضمن مناطق نفوذها التي تدخل في مسلّماتها الجيوسياسية. لذلك، تدخّلت أميركا في أوروبــا في الحربين العالميّتين األولــى والثانية لمنع أي قوة أخرى من الهيمنة على كل أوروبا. كما تدخّلت في شرق آسيا لمنع اليابان من الهيمنة على تلك المنطقة التي تقع بدورها ضمن مسلّماتها الجيوسياسية. حرب بوتين على أوكارنيا وحساباتها االستارتيجية والتكتيكية ألن االســتراتيجيّة فــي معناها المجرد نوع من الوهــم كونها توضع للتنفيذ في المســتقبل، لكنّها تُســتدعى إلى الحاضر لرســم معالمها، فــإن الواقع بطبيعته الديناميكيــة المتبدّلة والمتغيّرة هو العامل الحاســم في نجاح االســتراتيجيّة أو فشــلها. وألن االســتراتيجيّة ال تستطيع دائما توقّع األسرار التي يحملها الواقع، أو التأقلم مع تغيّراته ومفاجآته، فإن المُخطِّط أو واضع االستراتيجيّة يضطر في كثير من األحيان إلى االفتراض والتبســيط، وهنا تقع الكارثة. ألم يقل الجنرال ال " :) Helmuth von Moltke the Elder األلماني هلموت فون مولتكه األكبر ( ). في ضوء هذه 3 ( " يصمــد أي مخطّــط حربي مطلقا بعد أوّل تماس مع العدو الفجوة بين االستراتيجيّة بمعناها المجرد وتحديات الواقع المتغيّرة، نقرأ الوضع االستراتيجي للحرب الروسية على أوكرانيا، ونفهم ما نعتبره أخطاء وقعت فيها – القيادة الروســية، سواء على المستوى االستراتيجي أو في الجوانب العمالنية التكتيكية للحرب.

15

أ- األخطاء االستارتيجيّة لم يكن الرئيس بوتين، وهو يخطط لحربه ضد أوكرانيا، يتوقّع ردّة فعل الغرب، وخاصة الواليات المتّحدة األميركية. لقد أخطأ في حساباته بشأن الناتو، وتوقّع أن تدفعه الحرب في أوكرانيا إلى االنحســار والتراجع، فإذا به يتمدّد أكثر على كلم مع فنلندا. لم يكن بوتين يتوقع أن 1333 الحدود الروســيّة بمســافة تُقدّر بـ ، على حد وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل " موته السريري " الناتو سيستفيق من ماكرون، وظن أن أميركا التي أهملت أوروبا وتوجّهت إلى آسيا ومنطقة اإلندو- باســفيك لن تعود بقوّة إلى أوروبا بمزيد من العديد والعتاد. لم يتوقّع الرئيس بوتين أن الغرب، بقرار موحّد وسريع جدّا، سيتمكن من عزل روسيا عن النظام المالــي العالمي. وغاب عن حســاباته أن ألمانيا، التي تربطها بروســيا مصالح % من 50 اقتصادية ضخمة، ســتتخلى عن الغاز الروســي، الذي يغطي أكثر من احتياجاتها، وتنحاز إلى أوكرانيا وتُرسل إليها أسلحة وعتادا. لقــد بقــى خطاب الرئيس بوتيــن المتكرّر منذ مؤتمر ميونيــخ لألمن في العام ) 4 حول االنتفاضة العالميّة على الغرب بقيادة روســيّة حبرا على ورق ( 2007 . فلــم يقترن ذلك الخطاب بأمرين مهمّيــن: أوّال، خلق التكتالت والتحالفات القــادرة على زعزعة موقــع أميركا في العالم. ثانيا، توفير الوســائل واألدوات الالزمة لتحقيق هذا المشروع. فقد أثبتت حرب روسيا على أوكرانيا أن التفكير االستراتيجي في الكرملين تفكير خطّي لم يزاوج األهداف بالوسائل الضروريّة. والتخطيط االستراتيجي الذي يغيب عنه التّناسب بين األهداف والوسائل محكوم عملية عسكريّة " عليه بالفشــل. هذا النمط من التفكير تعكســه تسمية الحرب بـ . فهي من ناحية عملية خاصّة، ولكنّها من ناحية أخرى، مدعومة بالتهديد " خاصة النووي، وموجهّة ضد حلف الناتو، وتستهدف إعادة تشكيل النظام العالمي الذي

تقوده الواليات المتحدة األميركيّة. ب - في البعد العمالني – التكتيكي

كشــفت الحرب الروســية على أوكرانيا خلال هائال في التناســب بين األهداف االســتراتيجية والوســائل المتوفّــرة لتحقيقها. فقد وضع الرئيــس بوتين أهدافا كبيرة لكنّه اســتعمل وســائل متواضعة جدّا. وأراد إســقاط كل أوكرانيا وتغيير

16

مــا كان يســمّيه بالنظام النّازي، ولكنّه لم يحشــد فــي أرض المعركة أكثر من ألف كلم مربع. 600 ألف جندي للقتال في مســاحة جغرافية تقدر بنحو 15 0 في بداية الحرب، حدّدت القيادة ثالثة محاور أساســيّة للهجوم، لكن معطيات الواقع ومفاجآته اضطرّتها لتغيير خططها. كانت الخطّة األصليّة تقتضي الهجوم على المحور الشمالي من بالروسيا إلسقاط كييف العاصمة، أما المحور الشرقي فيتمثّــل في إقليم دونباس، بينما يهدف الهجــوم على المحور الجنوبي لوصل . 2014 الجنوب األوكراني بشبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا عام يكمــن الخلل في هذه الخطة في كون المســافة التــي تفصل بين كييف وإقليم كلم، والهجوم المتزامن علــى المحاور الثالثة يجعل 2000 خيرســون تقــارب الجيش الروســي يقاتل بالخطوط الخارجيّة، حيث تنطلق الوحدات القتالية من مناطق متباعدة وتتجه إلى نفس الهدف. وهذا النوع من القتال صعب جدّا خاصة فيما يتعلق بتأمين الجوانب اللوجســتيّة، وإمكانية دعم الوحدات بعضها لبعض. فــي المقابــل يقاتل الجيش األوكراني بطريقة الخطــوط الداخليّة، حيث تنطلق الوحــدات القتاليــة من مركز واحد وتتجه إلى أهــداف متباعدة. وهذه الطريقة تناسب الجيش األوكراني الذي يقاتل على أرضه، ويتفوّق على الجانب الروسي في مستوى وعيه بالمكان وتعقيداته الطوبوغرافية. إلــى جانب التحــدّي الذي يواجه الجيش الروســي والمتمثّل في طول الجبهة وصعوبتها، لم تطبّق القيادة الروسية المبادئ األساسية للحرب، وأهمها: وحدة ). فكيف 5 القيادة، المفاجأة، المناورة، اقتصاد القوى، البساطة، تأمين الخطوط ( تجلّى الخلل في تطبيق هذه المبادئ على المستوى العمالني - التكتيكي؟ - غابت وحدة القيادة، فلم يكن هناك قائد واحد للمسرح الحربي في أوكرانيا، وهذا الغياب يُصعّب العمليات العسكرية بشكل عام. فقد جرى تعيين واستبدال عدّة قادة خالل األشــهر األولى للحرب قبل أن يتوصّل الرئيس إلى تعيين قائد موثوق لديه، هو الجنرال ســيرغي ســوروفيكين. لكن تعيين هذا القائد، الذي قاتل في حربي الشيشان وسوريا، جاء متأخّرا ألن الجيش الروسي كان قد مُني بخسائر كبيرة، واضطر إلى التراجع على أكثر من محور، سواء في خاركيف أو في خيرسون.

17

- خســر الرئيس بوتين عنصر المفاجأة، فقد بدأ حربه بعد أن نشــرت وســائل اإلعــ م الغربية جاهزية جيشــه على الحدود مع أوكرانيــا ونيته الواضحة لبدء الهجوم. - تأرجــح الجيش الروســي في تطبيق مبدأ المنــاورة خالل المراحل المختلفة للحرب. ففي المرحلة األولى اعتمد الحركيّة والمناورة لكنّه اصطدم بتحصينات . في 2014 الجيش األوكراني الذي كان قد أعد لهذا النوع من الحرب منذ العام هذه المرحلة، كان الجيش الروسي في وضع الحركة والجيش االوكراني يقاتل للتأخير، أي كسب الوقت مقابل التخلّي عن األرض، مع السعي لتكبيد الجيش الروســي أكبر قدر من الخســائر في العديد والعتاد. في المرحلة الثّانية، أي بعد تخلّي بوتين عن هدف إسقاط كييف، تحوّلت الحرب في دونباس إلى استراتيجيّة األرض المحروقــة، وأصبــح الجيش األوكراني ثابتا فــي الدفاع، بينما الجيش الروسي يتقدّم ببطء شديد. في المرحلة الثّالثة، التي تلت سقوط سيفيرودونتسك وانســحاب الجيش األوكراني من ليسيشانسك تكتيكيّا، أوقفت القوات الروسية عملياتها فيما يعرف بالتوقف العمالني، لقياس النجاح وتعديل االســتراتيجيات إذا لــزم األمر. ولكن طول مدّة التوقف كشــف عــن الصّعوبات الميدانية التي يواجها الجيش الروســي، خاصة في عدد قواته وفي المتطلبات اللوجســتيّة. في المرحلة الرّابعة للحرب، بدأ الجيش األوكراني بالمناورة والحركيّة، فاسترد إقليم خاركيف، وتابع هجومه في إقليم خيرســون، ودفع القوات الروســية للتراجع وأفقدهــا هامش المناورة. في المرحلة الخامســة، اســتدعت القيادة الروســية جيش االحتياط وقررت ضم األقاليم األوكرانية األربعة: لوغانســك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرســون. هذه المرحلة شهدت أيضا استعمال المسيّرات اإليرانية ضد البنية التحتيــة ألوكرانيا، وليس على الجبهات، حيث 136 من نوع شــاهد يحقق الجيش األوكراني نجاحات متتالية. فإذا تمكّن الجيش الروسي من تحقيق بعض النجاحات بفضل المســيّرات اإليرانية فهي تظل نجاحات تكتيكية، وحتى لو تراكمت تلك النجاحات فلن تؤثّر كثيرا في طبيعة المعركة، ألن الخلل يكمن في االستراتيجيّة الكبرى الحاضنة. - لم يكن التأمين العمالني للوحدات وخطوط اإلمداد الروســية كامال، بســبب فشل منظومة القيادة والسيطرة واالتصاالت الروسية، وقد تسبب ذلك في مقتل

18

العديــد مــن الجنراالت الروس علــى الجبهات. كما أن االســتعالم التكتيكي واالســتراتيجي حول القدرات األوكرانية، كالهما كان فاشال، فرغم أن أوكرانيا مالصقة لروسيا، أخفق الكرملين في التعرّف على نوايا قيادتها ومستوى جاهزيّة قواتها وقدراتها العسكريّة ونوعيّة التّدريب الذي تلقّته من حلف الناتو. - إذا أضفنا التطبيق الخاطئ لمبدأ اقتصاد القوى إلى الفشــل االســتخباراتي، وتدنّي مســتوى التأمين العمالني، وغياب المرونة في سلسلة القيادة والسيطرة، وعدم جاهزية القاعدة الصّناعية لمواكبة المجهود الحربي، فال يجب أن نستغرب من ضعف األداء العســكري الروسي. فالجندي الروسي ينتظر األوامر ممّن هم أعلى منه مقابل مرونة في الحركة وحرّية عمل تكتيكية للجندي األوكراني الذي يمســك بزمام المبادرة من خالل عامل السّــرعة. يجدر التذكير هنا بأن الجيش األوكراني استطاع االنتقال بسرعة قياسية من عقيدة القتال على الطريقة السوفيتية إلــى طريقــة القتال على الطريقة الغربية، مع قدرة واضحة على االســتفادة من التكنولوجيا الحديثة ومزاياها. - لكل مرحلة من مراحل الحرب الخمس، التي أشــرنا إليها أعاله، ســ حها الخاص. ففي المرحلة األولى، كان صاروخ جافلين المضاد للدروع، وســتينغر المضاد للطائرات، إلى جانب المســيّرات التركيّة بيرقدار، أسياد المعركة. وعبر االســتعمال الذكي والصحيح لهذه األســلحة اســتطاع الجيش األوكراني وقف االجتياح الروســي. وفي المرحلة الثّانية، تقدمت المدفعيّة الروسيّة لتحتل مركز الصدارة في إقليم دونباس. لكن النّجاح الذي حققته فضح ســبب ذلك التقدم. ففي دونباس، هناك ســكك حديدية تحت ســيطرة القوات الروسية جاهزة لنقل اللوجســتية إلى الخطوط األمامية مباشرة من الدّاخل الروسي. وهو ما يعني أن المدفعيّة الروســيّة مقيّدة جغرافيّا بســكك الحديد التي تغذّيها بالقذائف، األمر الــذي فتح الباب واســعا لســ ح المرحلة الثّالثة، التي حقّقــت فيها راجمات الهايمرس نجاحا تكتيكيّا الفتا لعدّة أســباب، منها: استعالم دقيق بشري وجوّي بمســاعدة أميركية وبريطانية. إصابات دقيقة لألهداف بعيدة المدى، انكشــاف التّركيبة القتاليّة للجيش الروسي وطريقة قتاله، انكشاف طرق المواصالت ومركز القيادة والسّــيطرة. فبعد ضرب مراكز الثّقل هذه، تمكّنت القوات األوكرانية من

19

إيقاف اآللة العســكريّة الروســيّة. في المرحلة الرابعة، توغّلت القوات الخاصّة األوكرانية خلف الخطوط الروســيّة في إقليم خاركيف لتدرس طريقة انتشــارها وقدراتها العســكريّة. وفي الوقت ذاته، أعلنت كييف عن إطالق عمليّة استعادة خيرســون، بهدف تشــتيت االهتمام الروسي واستقطابه إلى هذا اإلقليم فيما بدا أنّهــا عملية خداع ناجحة. في المرحلة الخامســة، يبدو أن القصف العشــوائي بالصواريخ والمســيّرات اإليرانية االنتحاريّة هو سيّد الموقف. جدير بالذكر هنا أن تزويد إيران لروسيا بالمسيّرات يكتسب داللة بالغة، إذ يقلب المعادلة التقليديّة فــي العالقة بين القوى العظمى والقوى االقليميّة. فاألصغر في هذه الحالة غير الطبيعيّــة، هــو الذي يزوّد األكبر، وهو ما يدفعنا للتفكير في آلية اإلنتاج الحربي الروســي وأولوياته، خاصة في ظل غياب االكتفاء الذاتي في بعض الصّناعات مثل المسيّرات والذّخائر والرّقاقات اإللكترونيّة والموصّالت الذكيّة. سيناريوهات المرحلة القادمة هناك عدّة سيناريوهات لمشهد الحرب الروسية على أوكرانيا في المرحلة القادمة، أبرزها: يبدو أن الرئيس بوتين توســيع نطاق الحرب وخلق وقائع جديدة على األرض: يعد لمزيد من التّصعيد بشــن هجوم شــامل على أوكرانيا أشــد تدميرا لتجاوز اإلخفاقــات الميدانية خالل المراحل األولى للحــرب. لذلك، عمد إلى تعيين قائد جديد للمســرح األوكراني له تاريخ عســكري دمويّ، ســواء في الشيشان أو في ســوريا. وقد هيّأ لهذه المرحلة بإصدار ثالثة مراســيم بعد إعالن التعبئة الجزئية. يعطي المرسوم األوّل حُكّام األقاليم الروسيّة صالحيات واسعة لضبط األمن واالســتقرار في مناطقهم، بينما يحد المرســوم الثّاني من الحركة بتســعة أقاليم روسيّة مجاورة للحدود األوكرانيّة. أمّا المرسوم الثّالث، فيفرض األحكام العرفيّة، أو القانون العســكري في األقاليم األوكرانيّة التي ضمّتها روســيا. في الوقت ذاته، تجري اســتعدادات عســكريّة على حدود أوكرانيا مع بالروســيا. ويُرجّح أن يبدأ تنفيذ هذا السيناريو، إذا قرر بوتين المضي فيه، بعد انقضاء السنة . 2023 األولى للحرب، أي مع حلول ربيع

20

لن يوضع هذا السيناريو تغيير اســتراتيجي باستخدام الســ ح النووي التكتيكي: على الطاولة إال إذا وصل الرئيس بوتين إلى مرحلة مذلّة من الخسارة العسكريّة واالنهيار التام لجيشــه في أوكرانيا. حينها، ســيُضطر إلى تنفيذ وعيده، وهو ما سيغيّر مسار الحرب في مستوياتها المحليّة واإلقليميّة والدوليّة. لكن اإلقدام على استعمال السالح النووي التكتيكي على المسرح األوكراني تواجهه عدة تحديات، أوّلها أن منطقة االستخدام يجب أن تكون من غير األقاليم األربعة التي ضمّتها روســيا. فإذا اســتُهدفت كييف، التي تُعتبر في الذاكرة الجماعيّة الروسية مدينة مجيدة لتصدّيها للنازية، فإن حســابات الرئيس بوتين ســتكون أكثر تعقيدا. هل يضمن اتجاه الرياح، وإلى أين ستأخذ االشعاعات النووية؟ هل قواته العسكريّة على المســرح األوكراني مُجهّزة لحرب نوويّة من عدّة وعتاد؟ هل يدرك طبيعة وحــدود الــرد الغربي؟ هل يضمن بقاء حلفائه اإلقليميين والدوليين إلى جانبه؟ وماذا عن الداخل الروسي، إلى أي حد يمكن أن يظل متماسكا وداعما للحرب؟ إذا فشلت تحوّل العملية العســكرية الخاصة إلى حرب اســتنزاف طويلة األمد: روســيا في تحقيق أهدافها تحت الفتة العمليّة العســكريّة الخاصّة، فطال أمدها وتحولت إلى حرب اســتنزاف لروســيا عسكريّا واقتصاديّا، فالمرجّح أن تتوالى الضغــوط علــى الرئيس بوتين بهــدف إحداث تغيير سياســي داخلي يطيح به شخصيا، على غرار ما حدث مع الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشيف. غير أن تنفيذ هذا الســيناريو لن يكون ســهال أو سلسا. فاألكيد أن الرئيس بوتين استعد لهذا االحتمــال جيدا، فصمّم نظاما مضادّا لالنقالبات يضمن بقاءه في كل األحوال. أما إذا حصل مثل هذا التغيير، فإن من سيخلف بوتين سيكون أضعف منه، وربما يميل إلى تســوية ما مع الغرب تنتهي برفع العقوبات على االقتصاد الروســي. ولكنّه لن يستطيع التنازل نهائيا عن أهداف الحرب األساسية طالما استمر إدراك الدولة الروسية بأن وجود الناتو على حدودها يمثّل تهديدا ألمنها القومي. بعد أن فقدت إدارة الرئيس الموقــف األميركي وتداعيــات االنتخابات النصفية: بايدن أغلبيتها في مجلس النواب لفائدة الجمهوريين في االنتخابات النصفية التي

21

، يُتوقع أن تتعرض إلى ضغوط بهدف 2022 جرت في نوفمبر/ تشــرين الثاني دفعهــا لتغيير مقاربتها الحالية للحرب في اتجــاه تقليص الدعم ألوكرانيا. فإذا حصلت تلك الضغوط وتزايدت، فإن ذلك لن يؤثّر على مسار األحداث الميدانية في أوكرانيا وحســب، بل ســيُفقد الموقف األوروبي وحدته وتماسكه الذي بدا عليــه منذ اندالع الحرب. فبفضل صالبة الموقف األميركي بدرجة أولى، ظلّت أولويّــة مواجهــة الخطر الذي تمثّله حرب بوتين علــى األمن األوروبي متقدّمة علــى بقيّة األولويــات األوروبيّة، بما في ذلك مواجهــة الصعوبات االقتصادية التي تسببت فيها الحرب ذاتها. فإذا تراجعت حرب أوكرانيا في سلّم األولويات األميركيّة، سيتراجع الموقف األوروبي ويتصدع ويبدأ بالبحث عن تسوية تشعر بوتين بالنّصر وتدفعه للمضي في تحقيق بقيّة أهدافه. في األثناء، ســيخلق هذا الوضع بيئة دولية مواتية تُشــجّع الصّين على اتخاذ خطوات لضم جزيرة تايوان بالقوّة. ولكن هذا الســيناريو ال يبدو مرجّحــا، فموازين القوى الدوليّة ال تزال تميل بوضوح لصالح الغرب، وال يزال حلف الناتو قوّة عســكريّة ضاربة دون منافــس مكافــئ. كما أن النّفوذ األميركي المتزايد في المحيط الهادئ وفي بحر الصين الجنوبي يشكل رادعا للصّين يمنعها في الوقت الراهن من اإلقدام على ضم تايوان بالقوة.

22

الم ارجع (1) Melissa Rock, Introduction to Modelski’s Model of World Leadership, Pennsylvania State University. See: www.e-education.psu.edu/geog128/node/646/ accessed on 20/10/2022. (2) Utah State University, Geopolitical Codes. See: https://chass.usu.edu/international-studies/aggies-go/geopolitical- codes#:~:text=Geopolitical %20codes %20are %20how %20a,the %20 rest %20of %20the %20world/ Accessed on 21/10/2022. (3) Helmuth von Moltke, The Franco German War of 1870-1871. See: www.goodreads.com/author/quotes/805919.Helmuth_Karl_Bernhard_ von_Moltke/ accessed on 22/10/2022. (4) Ted Galen Carpenter, Did Putin’s 2007 Munich Speech Predict the Ukraine Crisis?, CATO Institute, January 24, 2022. See: www.cato.org/commentary/did-putins-2007-munich-speech-predict- ukraine-crisis#/ accessed on the 23/10/2022. (5) Frank L. Johnson, The Principles of War, Naval War College Information Service for Officers, Vol. 4, No. 2, 1951, pp. 1-26.

23

تداعيات أزمة تايوان على نفوذ الصين اإلقليمي ومكانتها الدولية

شريفة كالع

مقدمة ، الذي يعني " توحيد العالم الصيني " تقوم رؤية الصين ألمنها القومي على مفهوم وحــدة األراضي الصينية التي كانت تابعة لها تاريخيّا. ونظرا لما لهذه األراضي من أهمية اســتراتيجيّة فإن إعادة توحيدها يمكّن الصين من التحكّم في مجالها " مكاو " و " هونغ كونغ " الحيــوي بالكامل. ويتضمَّن هذا المفهــوم إعادة كل من وهو ما تجسّد فعليا، ثم تايوان التي تسعى بيجين منذ عقود إلى ضمّها إلى البر الرئيسي مستخدمة وسائل مختلفة، معتمدة استراتيجية النفس الطويل. فتايوان لها أهمية خاصة في المنظور االستراتيجي الصيني العتبارات تاريخية وجيوسياسية واقتصاديــة، إضافة إلى أنها بوّابة لدفــاع الصين عن مجالها البحري. والتحكم في هذه الجزيرة يســمح لها بمد ســيطرتها على المجاالت البحرية الواقعة في نقاط التقاطع الرابطة بين المحيطين الهندي والهادئ. لهذه األسباب تولي القيادة الصينية أمر ضم تايوان إلى البر الرئيســي أهمية قصوى، وترى أن ذلك يمكن . 2049 أن يحدث في التاريخ الذي ســتحتفل فيه الصين بمئوية تأسيســها ســنة هــذه الرؤيــة تقابلها رؤية أميركية تقوم على ضرورة احتواء الصين وضبط وتيرة صعودهــا، وذلك بخلق توترات مســتمرّة في مضيق تايــوان. وقد تجلّت هذه . 2022 السياسة بوضوح خالل العام تعالج هذه الورقة التوتر المتصاعد في بحر الصين الجنوبي بين الصين والواليات المتحدة األميركية بشأن تايوان، وتبحث في تطورات هذه األزمة وتأثيراتها على قــدرة الصين ونفوذها المســتقبلي. فإلى أي مدى يمكــن ألزمة تايوان أن تؤثّر ســلبا أم إيجابا على الصّعود الصيني وعلى ســعيها المستمر إلى توحيد العالم

25

الصينــي؟ وما هو الــدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الجزيرة في االســتراتيجية األميركية الحتواء بيجين ومحاصرتها والتحكّم في وتيرة صعودها؟ تايوان في المنظور االستارتيجي الصيني تسعى الصين منذ عقود إلى توحيد المناطق التابعة لها تاريخيا واستعادة المناطق التي سُلبت منها أو انفصلت عنها، وضمّها إلى دولة الصين الموحّدة ذات المركز ، وبعد وفاة الرئيس 1979 الواحد. فمنذ الحرب الصينية الفيتنامية في مطلع العام ، " عصابة األربعة " ماوتســي تونغ بثالث سنوات، والقضاء على ما سُمّي آنذاك بـ وبروز نخبة برنامج التحديثات، دخلت الصين مرحلة جديدة تقوم على األسس التالية: - الحنين التاريخي للمجد الصيني القديم، وتجسّد ذلك سياسيا في التأكيد على . " الهوية القومية الصينية " - مــزج النزعة االشــتراكية بالحــس القومي، وهو ما تتضمنــه نظرية الصعود (التنموية) السلمية. - استعادة الصين الكبرى انطالقا من مبدأ الصين الموحّدة. - زيادة التواصل مع األقليات الصينية في منطقة آسيا. ألجــل ذلــك، عملت الصين بشــكل حثيث على اســتعادة كل من هونغ كونغ وجزيرتي مكاو وتايوان تحت سيادتها. وقد نجحت في استرداد هونغ كونغ من ، في حين 1999 ، كما استعادت جزيرة مكاو من البرتغال سنة 1997 بريطانيا سنة بقيت قضية تايوان حاضرة في السياسة الصينية القائمة على وحدة أراضيها، مع . كان ذلك واضحا في تصريح الرئيس الصيني السابق " االنتظار " اتّباع استراتيجية يمكننا " ، الذي جاء فيه بخصــوص تايوان: 1995 دينغ كســياو بينــغ في أكتوبر االنتظار إلى أن يصبح الوقت مالئما، لكننا ال نقبل أن تشــاركنا في الحل دولة ). في هذا التصريح، يؤكّد الرئيس كســياو بينغ أيضا على أن إعادة 1 ( " أخــرى توحيد العالم الصيني ستتم سلميّا عبر تقوية الروابط مع أجزاء الصين المختلفة، ودفع التحديث، وضم تايوان إلى البر الصيني بعد انفصال دام أكثر من ســبعين

26

). وتنبع أهمية تايوان في المنظور االستراتيجي الصيني من عدّة عوامل 2 ســنة ( أهمّها ما يلي: . تنظر الصين إلى تايوان باعتبارها أحد األهداف طويلة األمد لتحقيق الوحدة 1 الوطنيــة بعــد أن فُكّكت الصين الكبرى خالل القرنين الثامن عشــر والتاســع عشر. فعودة الجزيرة إلى الوطن األم تعزيز للميراث التاريخي والوطني للصين واستكمال لسيادتها على كامل أراضيها. . تعتبر الصين أن ســعي تايوان لالســتقالل يهدّد سالمة أراضيها ويحول دون 2 تكاملهــا اإلقليمــي. كما أن القادة الصينيين يؤمنــون بنظرية الدومينو الداخلي، التي تفيد أن فقدان الســيادة على إقليم واحد من شــأنه أن يشــجّع االنفصاليين في بقية األقاليم، مثل التبت وتركستان الشرقية، ما يشكّل تهديدا لألمن القومي .) 3 واالستقرار االجتماعي في الصين ( . تُعتبــر تايــوان ذات أهمية جيوســتراتيجية ألن مضيقها (مضيق تايوان) وقناة 3 يمثالن الممرّين البحريين الرئيســيين اللذين يربطان شمال شرقي آسيا " ياشــي " بجنوب شرقي آسيا والشرق األوسط. . تكتســي تايــوان أيضا أهمية جيوســتراتيجية، فهي على حــد تعبير الجنرال 4 . وهي، بسيطرتها " حاملة طائرات ال يمكن إغراقها " األميركي، دوغالس ماك آرثر على النقطة المركزيّة للسّــاحل المحدّب للصين، يمكن أن تسمح لقوة خارجية مثل الواليات المتحدة األميركية أن تبســط قوتها على طول المحيط السّــاحلي للصيــن. وعلــى هذا النحو، ال شــيء يزعج االســتراتيجيين فــي بيجين بقدر االســتقالل الفعلــي لتايوان. أما إذا نجحت الصيــن في ضم تايوان، فإن قواتها البحرية ستكون فجأة في وضع األفضلية االستراتيجية في مواجهة سلسلة الجزر الواقعة في بحر الصين الجنوبي. . تُعــد تايوان أحد محاور الصراع الرئيســية بين الصيــن والواليات المتحدة، 5 ويُعتبــر ضــم الصين لتايوان جزء ال يتجزأ من اســتراتيجيتها الوطنية في الدفاع عن سيادتها تجاه األطماع األميركية في آسيا. . إذا نجحت الصين في ضم تايوان، فإن ذلك سيمثّل خسارة استراتيجية كبرى 6

27

للواليات المتحدة، وسيفرض قيودا على حركة قواتها، وعلى نشاطها العسكري في بحر الصين الجنوبي. وستُضعف الخسارة األميركية لتايوان نفوذ واشنطن في شــرق وجنوب شرقي آسيا، وســتتراجع قدرتها على حماية حلفائها مثل اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية من الهيمنة الصينية. إمكانية امتداد تأثير الدومينو إلى الصين � ديناميات أزمة تايوان و أضافت الحرب الروســية على أوكرانيا وضم بعض أراضيها بالقوة العســكرية تحدّيا جديدا أمام الواليات المتحدة في صراعها مع الصين في منطقة المحيط الهادئ. فالخطوة الروســية بفرض واقع جيوسياســي جديــد تُعد اختبارا جدّيا للقوة األميركية ولمصداقيتها في حماية النظام الدولي الذي تتزعمه، وقد تؤدي . فإذا أخفقت الواليات المتحدة في ردع " أثر الدومينو " إلــى إحداث ما يُعرف بـ روسيا في أوكرانيا، سينعكس ذلك بالتأكيد سلبا على قدرتها على ردع الصين في تايوان، خاصة أن تحالفات أميركا في شــرق آسيا ليست بعمق ومتانة تحالفاتها عبر األطلســي في إطار الناتو. وال يُســتبعد أن تُفجّر المسألة التايوانية حربا بين الصين والواليات المتحدة، في ظل تمسّك تايوان باستقاللها من جهة، وتصميم الصين على ضمّها بكل الوســائل من جهة أخرى. فإذا أضفنا إلى هذا التقابل الحــاد فــي المواقف، التزام الواليات المتحدة بمســاعدة تايوان في الدفاع عن نفسها في حال هاجمتها الصين وفقا لقانون العالقات مع تايوان الذي أقر سنة .) 4 ، فإن الصّدام بين القوتين العظميين يصبح مسألة وقت ال غير ( 1979 في هذا اإلطار، يمكن فهم التوتّر الذي تصاعد بين البلدين بشكل الفت خالل . فبالرغم من تحذيرات الرئيس الصيني شي جين بينغ بشأن مخاطر 2022 العام ، ودعوته إلى التوقّف " صين واحدة " تجاوز الواليات المتحدة وحلفائها لسياسة عن التحركات االســتفزازية بشــأن تايوان، أقدمت رئيســة الكونغرس، نانســي بيلوسي، على زيارة جزيرة تايوان في الثاني من أغسطس/ آب، وترافقت زيارتها بتقديم المزيد من الوعود بإمدادات السّالح لتايباي. فاالستراتيجية األميركية في منطقة اإلندو- باســيفيك تقوم على احتــواء الصين من خالل محاصرتها بعقد تحالفات مع مكوّنات البيئة المحيطة بها. تأتي زيارة بيلوســي كذلك، في إطار

28

تنفيذ توجّهات إدارة بايدن االستراتيجية. فقد استغلّت إدارته تصاعد موجة العداء للصين، خاصة بعد انقطاع سالســل اإلمداد القادمة منها نتيجة جائحة كورونا، وتقدمت بمشــروع قانون، وافق عليه الكونغرس في أواخر شــهر يوليو/ تموز مليار دوالر لتعزيز القدرة التنافســية 280 . تضمّن المشــروع حزمة بقيمة 2022 للواليــات المتحدة في إنتاج الرقائق اإللكترونية وأشــباه الموصالت، لمواجهة التهديد الذي تشــكّله الصين باعتبارها أكبر منتج في العالم لهذه التكنولوجيات .) 5 الدقيقة، التي تُستخدم في العديد من الصناعات المدنية والعسكرية ( ردّا على زيارة بيلوســي، أعلن الجيش الصيني عن مناورات عسكريّة، استمرّت ثالثة أيام في ســت مناطق قريبة من تايوان، في تصعيد غير مســبوق للتكتيكات العســكرية الصينيــة في مضيق تايــوان. وقد حاكت المنــاورات حصارا بحريا للجزيــرة، وكانت بمثابة تذكير بأن الصين لديها العديد من الطرق للضغط على ). إلى جانب المناورات العسكرية 6 تايوان، وتقليص مفعول الدعم األميركي لها ( في الجوار التايواني، اتخذت الصين بعض اإلجراءات العقابية. ففرضت عقوبات على بعض المنظمات ذات التوجّه االنفصالي، التي تسعى إلى استقالل تايوان، شملت منع تلك المنظمات من التعاون مع منظمات أو شركات أو أفراد في البر الرئيسي داخل الصين. وفي محاولة لعزل اقتصاد تايوان عن االقتصاد العالمي، شــركة تايوانية، 2600 اتخذت بيجين عدة قرارات، أبرزها وقف االســتيراد من ووقف االستثمارات الصينية في تايوان، وحظر استثمارات تايوان في البر الصيني، ومحاصرة التجارة البحرية من وإلى تايوان من خالل توسيع المساحات البحرية والجوية التي تجري فيها المناورات العسكرية الصينية. جدير بالذكر أن إجمالي . 2021 مليار دوالر وفقا لبيانات 126 التجارة بين البر الصيني وتايوان وصل إلى ارتدادات أزمة تايوان على طموحات الصين في مجالها اإلقليمي والدولي تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها في محيطها اإلقليمي، الذي يمثّل أولوية لها في مجاالت االقتصاد والتجارة واألمن. وقد أسهم استثمارها في تلك المنطقة خالل العقــود الماضية في بروزها قوة اقتصادية عظمى في القرن الواحد والعشــرين. وتحتاج الصين، لكي ترسّــخ نفوذها اإلقليمي، إلى حالة من االســتقرار طويل

29

األمــد، تلعب فيه دور الضّامــن لألمن والرخاء والرفاه االقتصادي في المنطقة. غير أن المســألة التايوانية، بما تدفع إليه من تكثيف للنشاط العسكري األميركي في بحر الصين الجنوبي وفي المجال اإلندو- باسيفيكي عامة، ترى فيها الصين تهديدا لالســتقرار وعقبة تحول دون صعودها بالوتيرة التي تطمح إليها. لذلك، تظل مواجهة التهديد األميركي بتعزيز قدراتها الدفاعية، والضغط المســتمر على تايوان، شرطا للمضي في تحقيق أهدافها االستراتيجية. ويُعتبر تحالفها مع كوريا الشــمالية، بما تملكه من قدرات صاروخية متطورة، إحدى أدواتها المتعددة في هذا الصّراع. وفي سياق مد نفوذها خارج مجالها اإلقليمي المباشر، تستمر الصين في تطوير الذي يربطها بقارّتي أوروبا وإفريقيا ومنطقة " الحزام والطريق " مســارات مشروع الشرق األوسط، عبر آسيا الوسطى من ناحية، والمحيط الهندي من ناحية أخرى. وتطمح الصين من خالل هذه المبادرة إلى نحت مكانة متميزة على المســتوى الدولــي، لتصبح دولة محورية وحلقة مركزية في االقتصاد العالمي. كما تطمح إلى شــبكة أمان جماعيــة نظرا لما ينطوي عليه " الحزام والطريق " إلــى تحويل المشــروع من مصالح اقتصادية متشــابكة، ســيحرص الجميع على رعايتها بما يُســهم في تراجع الهيمنة األميركية، وتحريــر الصين من محاوالت محاصرتها وتهديد االستقرار من حولها، سواء من خالل دعم تايوان أو عبر استغالل بعض بؤر التوتر محل النزاع بين الصين وجيرانها. ، تنشط الصين ضمن مجموعة من التحالفات " الحزام والطريق " إلى جانب مبادرة والشراكات االستراتيجية الثنائية ومتعددة األطراف، سواء منها االقتصادية أو ذات الطابع األمني. وتلعب تلك التحالفات أدوارا متفاوتة في مواجهة جهود الواليات المتّحــدة الحتــواء الصين أو تطويقها أو إعاقة صعودها، كما يتبيّن بوضوح في االســتراتيجيات األميركية المتعاقبة. فقــد أكّدت رؤية إدارة الرئيس بايدن، التي ، على " التوجه االســتراتيجي المؤقت " بعنوان 2021 صدرت في شــهر مــارس الصين، وهو ما يعني زيادة " محاســبة " أولوية منطقة المحيط الهادئ، وضرورة ). بناء على ذلك، قرّرت الواليات المتّحدة تزويد 7 القيمة االستراتيجية لتايوان ( ، وعزّزتها 2021 مليون دوالر في العام 850 تايباي بصفقة ســ ح بلغت قيمتها مليون دوالر، في خطوة تهدف منها 195 بصفقة إضافية بقيمة 2022 فــي العــام

30

). تجدر اإلشارة إلى 8 ( " ردع الصين بدال من اســتفزازها " اإلدارة األميركية إلى أن تايوان تحتل المرتبة الثامنة عالميا بين الشّركاء التّجاريين للواليات المتحدة، مليار دوالر مع 114 وقــد وصلت قيمــة التبادل التجاري بينهما إلى أكثر مــن . وقد ساعد على تطوير هذه العالقات، شخصية رئيسة تايوان 2021 نهاية العام ، التي تتبنى خطابا شديدا تجاه الصين، يجد صداه داخل " تسي إنغ وين " الحالية . وقد 2016 التّيار الليبرالي الذي وصل إلى الســلطة بقيادتها في انتخابات العام خلقت سياسة وين بيئة مناسبة لتوسيع نطاق الدعوة لالنفصال، خاصة مع انتهاج ، ذي التوجه " ما يينغ جيو " سياسة التّجنيد اإللزامي، عكس سياسة الرئيس السّابق القومي، الذي كان مؤيّدا للوحدة مع الصين، واتسمت العالقات التايوانية الصينية .) 9 في عهده بالهدوء، وشهدت تحسنا كبيرا ( ولكــن، ال يبــدو أن تنامــي النّزعة االنفصاليــة في تايوان، مدعومــة بالجهود األميركية الحتواء الصين أو ردعها، ســتؤتي أكلها في المســتقبل المنظور. فقد أكّدت مُخرجات المؤتمر الوطني العشــرين للحزب الشــيوعي الصيني، الذي ، أن بيجين ماضية في طريقها لضم 2022 انعقد في شهر أكتوبر/ تشرين األوّل تايوان. واعتبر المؤتمر أن اســتعادة الجزيرة مســألة محسومة تقتضي حشد كل الطاقــات إلنهائهــا، والعمل على إقناع كل دول العالم، بما في ذلك تايوان، أن هذا الموضوع ليس تكتيكا عابرا، بل هو خيار اســتراتيجي ال رجعة عنه، بغض .) 10 النظر عن أداة تحقيقه ( ســتمضي الصين إذن في ســعيها لضم تايوان بكل الوســائل وتحقيق أهدافها ، وستسمر الواليات المتحدة، من جهتها، في دعم تايوان " توحيد العالم الصيني " بـ للحد من الهيمنــة الصينية على مجالها اإلقليمي " المســألة التايوانية " وتوظيــف قبل أن تتحول إلى قوة عالمية منافسة على مختلف المستويات. ورغم استمرار الحرب الروســية على أوكرانيا غربا، فإن كل المؤشــرات تدل على أن التوتر في العالقات الصينية األميركية شــرقا سيســتمر ويتصاعد في السنوات القادمة. فالتعارض االســتراتيجي بين رؤيتي القوتين لموقع تايوان، ولدورهما في منطقة المحيــط الهــادئ، ولحدود الصعود الصيني ووتيرته عميــق، وإمكانية التقارب بينهما مستبعدة على المديين القريب والبعيد.

31

خالصات واستشارف تُعتبر قضية تايوان ذات أهمية كبيرة في السّياســات الصينية السّاعية لضمّها إلى الوطن األم بشتى الطرق، لتعزيز نفوذها في مجالها الحيوي بآسيا. مقابل ذلك، االتجاه " تسعى إدارة الرّئيس بايدن لمحاصرتها من خالل العودة إلى استراتيجية ، أي االتجاه نحو آســيا والمحيط الهادئ، وهي نفس استراتيجية الرّئيس " شــرقا . " اتفاقية الشراكة العابرة للباسيفيك " األسبق باراك أوباما، التي تجسّدت آنذاك في فاالتجاه شرقا تلعب فيه المسألة التايوانية دورا محوريا، وتشكل حالة من التوتّر المتصاعد بين الصين وتايوان، من ناحية، والصين والواليات المتّحدة األميركية وحلفائها في المنطقة من ناحية أخرى. وفيما يلي خالصات هذه الورقة: . يبقى هدف الصين في آخر المطاف أن تنضم تايوان، في الوقت المناســب، 1 ، بشــكل ســلمي إن أمكن. ويكتسي هذا الهدف أهمّية " العالم الصيني " إلى بقية بالغة بالنّسبة إلى الصين من أجل استكمال أمنها القومي وحماية سيادتها الوطنية. ورغم التعهّدات األميركية بدعم تايوان ومساعدتها في مواجهة محاوالت الصين ، إال أن تلك المساعدات " العالقات مع تايوان " بشأن 1979 ضمّها، وفقا لقانون تبقى محدودة، في ظل التصميم الصيني وتنامي قدراتها العسكرية واالقتصادية. وستقدم لنا نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، ال سيما بعد ضم موسكو أجزاء من األراضي المحتلّة، مؤشّرا على وضع تايوان في المستقبل. . تعتبر الصين موضوع استعادة تايوان قضية استراتيجية وليست هدفا تكتيكيا، 2 وهي لذلك مســألة ال عودة عنها، وفق ما أقرّه البيان الختامي لمؤتمر الحزب الشــيوعي الصيني العشــرين. من أجل ذلك، ستحشد بيجين كل قدراتها لتنفيذ هذه االســتراتيجية، وســتكون االنتخابات البرلمانية التايوانية المقررة في يناير/ مؤشّرا مهمّا على تطوّر األحداث في المستقبل. وسواء استمر 2024 كانون الثاني التيــار الليبرالي بنزعته االنفصالية في الحكم، أم عاد إليه القوميون القريبون من بيجين، فســيكون لهذه االنتخابات تأثير على الوضع الداخلي في تايوان، وعلى عالقتها بالصين وبالواليات المتحدة. . تــدرك القيادة الصينية أن انتهاج المقاربة الســلمية فــي عالقاتها مع تايوان، 3 ومراكمة المصالح المشتركة بين الطرفين، سيعزز التوجه الوحدوي، ويدفع نحو

32

خلق رأي عام أقل عداء لبيجين. وهذه المقاربة لن تحقّق أهدافها على المدى القريب، ولكنّها ستؤدي في النّهاية إلى تحقيق أهداف الصين، المعروفة بسياسة . " النفس الطويل " . على األرجح، لن تختار الصين اســتخدام القوة العســكرية ضد تايوان من 4 أجل ضمّها إلى الوطن األم. ولكن، إذا حصلت تغييرات نوعية داخل تايوان أو في محيطها، فإن هذه المقاربة ستتغير. فإذا أقدمت القيادة التايوانية على إعالن االستقالل من جانب واحد، أو اشتد الحصار على الصين وتكثّفت االستفزازات والمناورات العسكرية األميركية حولها، ال يُستبعد أن تلجأ الصين إلى استخدام القوة العسكرية لضم تايوان. ليس ذلك فقط ألن تايوان هدف في حد ذاتها، بل ، على غرار إقليم التبت " القلقة " أيضــا مخافة أن تنحو باقي المقاطعات الصينية أو تركستان الشرقية، إلى االستقالل هي أيضا. في السنوات القادمة، سيستمر " المسألة التايوانية " . أيّا كان االتجاه الذي ستسلكه 5 التوتر وتتواصل الرهانات الجيوسياسية المتناقضة بين الواليات المتّحدة والصين وقد 2049 خالل العقدين القادمين. فالصين تسعى لالحتفال بمئوية تأسيسها سنة ، بما " توحيد العالم الصيني " حقّقت أهدافها االستراتيجية الكبرى، وعلى رأسها في ذلك تايوان. عندها، سيختلف بالتأكيد موقعها من النظام العالمي، الذي تقوده اليوم الواليات المتّحدة األميركية، ويهيمن الغرب على أغلب مفاصله.

33

الم ارجع ، أبو 2010 - 1978 ) وليد سليم عبد الحي، المكانة المستقبلية للصين في النظام الدولي 1 ( . 154 - 153 ، ص. 2010 ظبي، مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية، الباسيفيك، – ) أركان محمود أحمد الخانوتي، دور الصين في الترتيبات األمنية إلقليم آسيا 2 ( . 229 ، ص. 2019 عمان، دار األكاديميون للنشر والتوزيع، (3) Li Jiayao, China’s National Defense in the New Era, White Papers, Ministry of National Defense of the People’s Republic of China, 24/07/2019. See: https://bit.ly/3AaeNAJ/ accessed on 19/10/2022. ) غراهام أليســون، حتمية الحرب بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة، هل تنجح الصين 4 ( وأمريكا في اإلفالت من فخ ثيوســيديديز؟ ترجمة إسماعيل بهاء الدين سليمان، بيروت: دار . 339 ، ص. 2018 الكتاب العربي، سبتمبر ضــد الصين؟، أبو ظبيي، مركز " المُنضبط " ) محمــد كمــال، ما وراء التصعيد األمريكي 5 ( . انظر الرابط التالي: 2022 أغســطس/ آب 18 المســتقبل لألبحاث والدراســات المتقدمة، .) 2022 / 10 / 18 (تاريخ الدخول: https :// bit . ly / 3dzMGll (6) Minxin Pei, Pelosi’s Taiwan Trip is Only the Start of US Headaches, Bloomberg UK, 03/08/2022. See: https://bloom.bg/3A4idoy/ accessed on 20/10/2022. (7) Joseph R. Biden, Renewing America’s Advantages Interim National Security Strategic Guidance, March 2021, The White House, Washington, p. 10. (8) Nathaniel Sher, The real lesson of the war in Ukraine for Taiwan, Responsible Statecraft, 04/05/2022. See: https://bit.ly/3BW11ml/ accessed on 20/10/2022. (9) Andrew Scobell, " Chinese thinking on the South China Sea and the future of regional security " , in: US–China Competition and the South China Sea Disputes, Huiyun Feng and Kai He (ed.), New York: Routledge, 2018, p. 36.

34

) وليد سليم عبد الحي، المواجهة الدولية القادمة: تايوان. ومن الضروري انتظار هذين 10 ( https :// bit ، موقع مدار الســاعة. انظــر الرابط التالي: . 2022 / 06 / 03 الحدثيــن الهامين، .) 2022 / 10 / 22 (تاريخ الدخول ly / 3bjZxHK

35

ديناميات األحالف والبحث عن توازن قوى عالمي جديد عزالدين عبد المولى مقدمة أطلقت الحرب الروســية على أوكرانيا ديناميات سياســية واقتصادية وعسكرية وأمنية على الصّعيد العالمي، وفي مناطق عدّة من العالم. وقد تجلّت بعض تلك الديناميات في حركية غير مسبوقة شهدتها بعض األحالف والتكتّالت اإلقليمية والدّوليــة على جاني الصّراع. ورغم تعدّد تلــك التكتّالت، واختالف طبائعها، وتنــوّع أطرافها، ومســحها ألغلب جغرافية العالــم، إال أن دورها في إحداث التوازن كان محدودا، بل إنهّا كشــفت عــن حقيقة االختالل الهائل في موازين القوى الدّولية. يركّز هذا التحليل على واقع األحالف السياسية والعسكرية التي حركية الفتة تعكس حالــة التوتّر والترقّب وغياب 2022 شــهدت خــ ل العام اليقيــن التي أصبح عليها العالم. صحيح أن الحرب الروســية على أوكرانيا لم تكن سببا في نشأة أحالف جديدة، فهي ذاتها نتيجة لوضع استراتيجي اختل فيه التوازن بين أحالف قديمة. اختل ذلك التّوازن حين انهار حلف وارسو في بداية تســعينات القرن الماضي واختفى من الوجود، بينما ظل حلف شمال األطلسي ) يتوســع شــرقا حتى بلغ حدود روسيا. لم تنشئ هذه الحرب أحالفا NATO ( جديدة، ولكنّها خلقت مناخا تنافسيا جديدا، وبعثت الحياة والحركية في تكتّالت كانت إلى وقت قريب تعيش حالة من الخمول. يرصد هذا التقرير ويحلل الحركية التي بعثتها الحرب الروسية على أوكرانيا في )، منظمة NATO أحالف ومنظّمات إقليمية ودولية أبرزها حلف شمال األطلسي ( )، مجموعة البريكس CSTO )، معاهدة األمن الجماعي ( SCO شانغهاي للتّعاون ( ). تشــترك هذه التكتّالت في ثالثة QUAD )، ورباعي الحوار األمني ( BRICS ( مالمح أساســية، كونها تضم أطراف الصّراع الرئيسية وداعميها المباشرين وغير المباشرين شرقا وغربا؛ كونها، باستثناء الناتو، نشأت بعد نهاية الحرب الباردة في سياق اختالل استراتيجي هائل حفّز القوى الكبرى والوسيطة للبحث عن مظ ّلّت

37

إقليمية، والســعي إلعادة التّوازن بين الشّرق والغرب؛ كونها، جميعها، تكتّالت مفتوحة على المســتقبل ومرشّــحة للتوسّــع في عضويتها وجغرافيتها ووظيفتها وقوتها، ما سيزيد من سيولة الوضع الراهن ويعمّق حالة ال ّلّيقين. لقد ضاعفت الحرب الروســية على أوكرانيا من أهمّية األحالف والتكتّالت بمختلف صيغها ونطاقاتها، وهي بصدد إعادة تشــكيلها على ضوء األخطار التي تزايدت بشــكل على أمن العالم واستقراره. 2022 الفت خالل العام . الناتو: المزيد من التوسّع على وقع الحرب الروسية على أوكارنيا 1 ، " عملية عســكرية خاصة " حين قرّرت روســيا غزو جارتها أوكرانيا تحت الفتة كان الناتو في خلفية ذلك القرار. وكان توسّــعه المطّرد، منذ تأسيســه في العام ، 2020 على يد تسع دول إلى أن بلغ عدد أعضائه ثالثين عضوا في العام 1949 مبعثــا لقلق دائم وســببا لمخاوف أمنية متصاعــدة. كانت تلك المخاوف، التي عبّــرت عنها موســكو بوضوح قبيل غزوها أوكرانيا، قــد تأكّدت قبل ذلك في ، حيــن ضم الناتو دول البلطيق الثالث، إســتونيا والتفيا وليثوانيا، 2000 العــام الواقعة على الحدود مع روسيا. سبقت هذه الخطوة خطوتان توسّعيتان كان لهما داللة عميقة على حجم االختالل المتزايد في توازن القوّة بين الشّرق والغرب. أوالهما، حين أصبحت ألمانيا بكاملها عضوا في الحلف بعد انهيار جدار برلين، ، وانهيار االتحاد السوفيتي بعد 1990 وتوحّد شطريها الشرقي والغربي في العام ، وهي التي كان 1999 ذلك مباشــرة. وثانيتهما، حين انضمّت بولنــدا في العام ، 1955 حلف وارسو، بقيادة االتحاد السوفيتي، قد تأسّس على أرضها في العام وسُمّي باسم عاصمتها. وقد أثبتت الحرب الرّاهنة أهمّية انضمام بولندا إلى الناتو من خالل الدور المحوري الذي تلعبه لفائدته كجسر عسكري ولوجستي حيوي لدعم أوكرانيا واستنزاف روسيا. الخطوة التوسّعية األهمّ، ربما في تاريخ الحلف، خاصة إذا نُظر إليها في سياق التّطورات الراهنة، هي التي حفّزتها الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي دفعت ك ُّل من فنلندا والسّويد لطلب العضوية. فهذا التوسّع ليس عدديا أو جغرافيا أو ديمغرافيا وحسب، بل هو بالتحديد ما كانت روسيا تسعى لدرئه من خالل غزو

38

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186

Made with FlippingBook Online newsletter