والثّــورة المضادّة فــي بعديها المحلّي واإلقليمي، امتدّت وتعقّدت وغابت عنها الحلول رغم تعدّد المبادرات. وأزمات لبنان والعراق والسّــودان، التي اندلعت الحقا، تُراوح مكانها في ظل تقاطع األجندات اإلقليمية وعجز الطّبقة السّياسية بمختلــف مكوّناتها عن الوصول إلى توافقات وطنية وصيغ لتســوية الخالفات تتجاوز حساباتها السّياسية والطّائفية. تتفاعل هذه األزمات في ظروف دولية غير مواتية، تســهم في تعقيدها وتضيف إليها تحدّيات جديدة بدل أن تســاعد على حلّها. وال يُســتبعد أن تندلع في هذا السّياق أزمات أخرى في المنطقة ألسباب اقتصادية واجتماعية تعصف باالستقرار الهش في دول مثل تونس ومصر واألردن. فــي خضــم كل هذه التحــوّالت، تبتعد أكثر فرص التّســوية السّــلمية للقضية الفلســطينية، ويتقلّص أكثر المجال السّياســي والجغرافي الذي يمكن أن يكون إطــارا لحل الدّولتين. فتتســارع دورات التّصعيد اإلســرائيلي مدفوعة بأزمات داخليــة، وتتصاعد وتيــرة الحرب على غزّة وباقي األراضي الفلســطينية. على الجانــب اآلخر، تتعزّز قــدرات المقاومة رغم الحصــار واالحتالل، وتتقارب رؤاها وتنظيماتها وأساليب عملها، وكأنّها بصدد التحوّل إلى خيار وحيد في وجه االحتالل، مع تقلّص الخيارات وضيق هامش الحركة أمام السّلطة الفلسطينية. يقدّم هذا التقرير االستراتيجي، الذي يصدره مركز الجزيرة للدّراسات، قراءة في الوضع الدّولي وعناوينه األساسية (الحرب الروسية األوكرانية والتوتّر المتصاعد بيــن الواليات المتّحدة األميركية والصين)، وفــي أبرز األزمات ذات المخاطر العالمية المتزايدة (االقتصاد والطاقة والمناخ والحروب السّيبرانية). على الصّعيد اإلقليمي، يتناول التّقرير الشّــأن اإليراني ويبحــث أهم ملفّاته داخليّا وخارجيّا. كمــا يبحــث الوضع األفغاني واألولويات المطروحــة على حكومة طالبان بعد عودتها إلى الحكم عقب االنســحاب األميركي. ويســتعرض التّقرير كذلك أبرز التّطوّرات التي شهدها الفضاء اإلفريقي وما تواجهه دول القارّة من تحدّيات إلى جانب الفرص المتاحة أمامها. أمّا العالم العربي، فقد خصّص له التّقرير مساحة مكاسب 2022 أوســع، تناول فيها أوّال منطقة الخليج، التي ســجّلت في العام اقتصاديــة مهمّة بفضــل بداية تعافي االقتصاد العالمي مــن آثار جائحة كورونا والحرب الروسية األوكرانية، التي تسبّبت في ارتفاع الطّلب على الطّاقة، وبالتّالي
11
Made with FlippingBook Online newsletter