العدد 13 – فبراير/شباط 2022

| 102

لقد وضعت الأزمات المتعاقبة المجتمعات التي وُصفت بالديمقراطية والليبرالية أمام فأظهرت هشاشــة منظومتها القيميــة ومرتكزاتها الفكرية " معضلــة أخلاقية تاريخية " المثالية، التي تتحطم باســتمرار على صخرة المأســاة الإنســانية، كلما مرّت باختبار حقيقي يكشــف مدى مصداقية هذه القيم، كما شــاهدنا ذلك في محطات عدة مع قضايا اللاجئين في ميانمار، وحصار غزة، وضحايا الحروب في ليبيا واليمن والعراق وأفغانستان وإفريقيا، واضطهاد الأقلية المسلمة في الهند، وطرق إدارة الحروب خاصة الحرب على الإرهاب عبر العالم، لاســيما العالم الإســ مي وإفريقيا، ناهيك عن ممارســات إسرائيل بحق الأســرى والمهَجّرين، وتدمير منازل الفلسطينيين، وسياسة قضم الأرض المنتهجة ضدهم، والسكوت عن معاناة إقليم الروهينغا والإيغور، علمًا بأن الأنظمة التي تمارس كل هذا الاضطهاد أو تسكت عنه أو تزكي فاعليه، يُضرَب ، " نموذجها الاقتصادي الناجح " و " رشــادة حكمها " و " ديمقراطياتها " بهــا المثل في القائم على معاناة الشعوب واستنزاف ثرواتهم. أما على مســتوى القيم الحقوقية التي لطالما اتخذها الغرب ســجً تجاريّا لابتزاز الأنظمة والتدخل في السياســات الداخليــة للدول، متغافً عن مظاهر ابتذال المرأة وسَلْعَنَتِهَا في مجتمعاته، وعن قضايا التحرش الجنسي عند رجال الكنيسة، واستغلال القصّر والنساء في الصناعة الإباحية، ومساندة الأنظمة العربية المستبدة في انقلاباتها والتغاضي عن بطشــها بسجناء الرأي والإعلاميين، والقتل خارج إطار القانون مقابل الاحتفاظ بمصالحهم، وغيرها من القضايا والشواهد الكثيرة المسكوت عنها، والتي أثبتت نســبية قيم الإنسانية والعدالة والأخوة والمساواة وأدبيات الحكم الرشيد عند أصحــاب هــذه الأطروحات؛ إذ إن تطبيقاتها لا تتعدى أضيق دوائرها التي لا تَسَــع سوى الإنسان الغربي. إن القراءات التفســيرية التي قدّمها زعماء الليبرالية والنيوليبرالية من أمثال فوكوياما وهنتنغتــون حــول النموذج المثالــي للنظام السياســي والاجتماعــي والاقتصادي للمجتمعات، ومآل العالم وسيناريوهات ما بعد الدمار الكبير، تهاوت تحت ضربات التجارب الإنسانية والوقائع التاريخية، والسياسات الاحتكارية التي تنتهجها الأقطاب الدولية عبر مؤسساتها الاقتصادية والثقافية والقضائية والعسكرية، التي تحتكر مصادر القــرار بها تلك الدول الديمقراطية والعلمانيــة والليبرالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانيــة، كالأمــم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي للإنشــاء والتعمير

Made with FlippingBook Online newsletter