115 |
مقدمة تتســارع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق، فالنزاعات المحلية أصبــح مــن الصعب التنبــؤ باندلاعها؛ حيث تتداخل مجموعة واســعة من العوامل والقوى الفاعلة في الشــرق الأوســط لتشكّل المشهد السياسي والعسكري والأمني، وفي العمق هناك صراعات من نوع آخر يلعب الاقتصاد فيها دورًا كبيرًا. يشــهد التنافس بين القوى الإقليمية والدولية على موارد الشــرق الأوســط تصاعدًا واضحًا؛ إذ لطالما شكّلت الموارد الأولية المرتكز الرئيسي لهذا التنافس بين القوى المختلفة. وقد باتت الدول شــرق الأوسطية في الآونة الأخيرة أكثر إدراكًا لأن هذه الموارد المحدودة لابد أن تنضب، وأن قيمتها في شكلها الحالي لا تحقق تطلعاتها لبناء اقتصادات قوية، لذلك تحوّلت إلى بناء اقتصاداتها المحلية بمختلف الوســائل لتطوير نماذج اقتصادية ذات قيمة إضافية؛ حيث لم يعد المنتج نفسه في شكله الأولي هو المقصد، بل الفلسفة الاقتصادية وراء منتج هذه الدول التي باتت متكاملة وتحمل صورة أكثر وضوحًا من أي وقت سابق. ويعرف الشــرق الأوسط ثلاثة نماذج اقتصادية تكاد تكون مكتملة المعالم من ناحية القــدرة على تميزها عن بقية النمــاذج الأخرى، وهي النموذج الاقتصادي الإماراتي والنموذج الاقتصادي السعودي والنموذج الاقتصادي التركي. ولاشك أن اقتصادات بعض الدول وإن كانت تحاول النهوض إلا أنها لا تزال تصارع في ســبيل تشــكيل نموذجها الخاص، مثل الاقتصاد المصري الذي تعرض لهزات عنيفة في الســنوات التي تلت الربيع العربي، ويواجه اليوم تهديدًا حقيقيّا يتمثّل في قضايا المياه، وكذلك الاقتصاد الإيراني الذي يرزح تحت عقوبات منهكة من جهة، واستنزاف للموارد نتيجة التوسع في الحروب الخارجية من جهة أخرى. وتسعى الدراسة إلى تفكيك النماذج الاقتصادية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، وتقارن بعضها ببعض، وتخصص جزءًا أكبر للنموذج الاقتصادي التركي لإبراز أدواته وآليات اشتغاله والتحديات التي يواجهها. كما يحاول البحث طرح بعض التوصيات التي تســاعد في تعزيز الشكل النهائي للنموذج الاقتصادي التركي لاستكمال مجمل أركانه الشكلية والعملية.
Made with FlippingBook Online newsletter