العدد 13 – فبراير/شباط 2022

77 |

مقدمة إن تحقيق الشــروط الموضوعية لفاعلية الأنظمة السياســية وترقية قدرتها على بلوغ مطامح الشــعوب، وتجســيد متطلبات الحوكمــة بكافة أبعادها ومســتوياتها، تمثّل غاية ملحّة في الوقت الراهن الذي يتميز بالطفرة المعرفية وتطور وســائل الاتصال الحديثة والتكنولوجيا الرقمية، التي أسهمت في تماهي الحدود الذهنية والنفسية بين المجتمعات الإنســانية، بفعل التفاعل الشبكي وسرعة وشمولية نفاذ وسائل الاتصال الحديثــة. وتحوّل العالم على إثر ذلك إلى أشــبه بكتلــة مندمجة وظيفيّا وتواصليّا، وأضحــى مــن الصعب على المجتمعات التي لا تمتلك وســائل التمكين ومقومات الجودة وعوامل التنافس أن تتعايش مع متطلبات العالم الرقمي الجديد، ولا مناص من تحقيق ذلك -من وجهة نظر سياسية- إلا بتطوير النظام السياسي وتحقيق مقومات فعاليته وجودته، باعتباره محور تطور كافة القطاعات، والعمود الفقري لبقية الأنظمة الاقتصادية والإدارية والثقافية والتعليمية والاجتماعية. ومع تطور مســتوى المجتمعات الحديثة، أصبح للمعرفة والتكنولوجيا دور بارز في ترقية ممارسات وطموحات الشعوب وطرق تفكيرهم، وتدفع هذه المتغيرات الجديدة بإلحاح إلى إعادة النظر في أســاليب الحكم وسياســة البشر، وإدارة الدول الحديثة، خاصة في العالم العربي، الذي هو بأمسّ الحاجة إلى تأســيس نظام سياســي يمتلك القدرة والفاعلية على الاستجابة لتطلعات الشعوب في حياة كريمة تتطلع نحو مستقبل زاهر، يتماشــى بسلاسة مع التحولات الراهنة التي فرضها مجتمع المعرفة والعولمة المعرفية والانكشاف الإعلامي. وفي هذا السياق، سعت مقاربة الحكم الرشيد، التي قُدّمَت كنموذج إصلاحي حداثي للنظم السياسية، إلى طرح منظومة سياسية وقانونية واقتصادية لتطوير الأنظمة السياسية من خلال حوكمة التسيير، وترقية حقوق الإنسان، ورعاية مشاريع التنمية المستدامة، وتحقيــق كفــاءة الإدارة العامــة، وفاعليــة الأداء الحكومي. وتهدف هــذه المقاربة على المســتوى النظري إلى إيجاد الصيغة المثلى لهندســة نظامِ حكمٍ يتميز بالرشد والحكامة والفاعلية، إلا أنها على المســتوى العملي واجهت العديد من الانتقادات جرّاء التطبيقات الســلبية والانتقائية لمعايير الحكم الرشــيد بين الدول الغربية ودول

Made with FlippingBook Online newsletter