| 84
للنظم السياسية العصية على التطوير والإصلاح. فالنظام السياســي الفاقد للشــرعية والفاعلية سيكون أداؤه ومنتوجه مُشَوّهًا ولو كان يمتلك ثروات وموارد بشــرية ومعرفية هائلة، لأن عطبه بنيوي ومزمن وليس شكليّا، والعمل على تغييره بصفة ســلمية يتطلب انتهاج مسلك الإصلاح المرحلي الداخلي (من داخل النظام) والإرادي (أي بمبادرة ذاتية دون ضغط خارجي)، وهذا يســتلزم تغيير أسس الحكم المتقادمة ومرجعياته، وأدواته المتهالكة وشخصياته الوظيفية، بعد الاقتناع الفعلي بأن تكلفة البقاء ضمن النظام التســلطي ســتكون أشــد وأخطر على النخب الحاكمة والشــعوب من تكلفة التحول نحو نظام سياســي فعّال ومرن، يتمتع بالجودة والكفاءة والتنافسية والمشروعية السياسية والشرعية القانونية. . الحكم الرشيد: مفهومه ومعاييره 3 إن تطــور الفكر السياســي الحديــث بمقارباته ومداخله وأدواتــه الحكمية، قد أفرز عدة نماذج للحكم وإدارة المجتمعات، وأضاف منظومة جديدة من القيم والأســس والأفكار التي تتماشــى مع تطور الإنســانية وتقدمها الباهر في مجال التعليم والفكر القانونــي والحقوقي والعلوم الإنســانية والاجتماعية والاقتصادية، كالحكم الرشــيد والتنشــئة السياسية والترســيخ الديمقراطي والتداول الســلمي على السلطة والتنمية ،) Legality ) والمشروعية ( Legitimacy السياســية والهندسة السياسية، والشــرعية ( وأنماط الأنظمة السياسية، وحوكمة التسيير وإدارة الجودة، والفصل بين السلطات... إلــخ. وهــي أطروحات أســهمت في تعزيز مســتوى الوعي الجماهيري والتنشــئة السياســية، وتنمية الإدراك والذكاء الجماعي، كما شــكّلت من جهة أخرى تحديات وجودية للأنظمة الجامدة أو التسلطية التي تفتقد لمتغير الفاعلية والكفاءة والشرعية؛ مما يجعلها متسببة في الاحتقان الاجتماعي والكبت النفسي للمجتمع، الذي يتعاظم مع تراكم الإخفاقات والسياسات الفاشلة وعدم فاعلية الإصلاحات الشكلية في حل مشــاكل المواطنين اليومية؛ الأمر الذي سيؤدي إلى انفجار مجتمعي شامل ويؤسس لمسار الثورة بكافة تبعاتها ورهاناتها ومجاهلها الغامضة. ويشــكّل مفهوم الحكم الرشــيد مقاربة سياسية حديثة في تســيير الدول من منظور الحكامة والرشادة السياسية، فهو يسعى إلى تحقيق جودة التسيير وفعاليته في استثمار الموارد المادية والبشــرية للدولة بأعلى مستوى ممكن من الكفاءة والشفافية، بهدف
Made with FlippingBook Online newsletter