| 98
خالصة إن االستشراف -كما ذكرنا آنفًا- عملية محفوفة بمخاطر عديدة منهجية ونظرية. وهي بشــكل عام غير محبذة في بعض األوساط األكاديمية والبحثية، ألنها قد تفترض أن التاريخ البشري تسيِّره قوانين ثابتة يمكن اكتشافها. وهذه الفكرة تخلى عنها المؤرخون بشكل نهائي، ألنها بكل بساطة غير متطابقة مع الطابع اإلنساني للتاريخ. فاألحداث يصنعها اإلنســان في ســياقات مركبة تتداخل فيها متغيــرات متعددة ومتنوعة... في المقابل، فإن التنبؤ واالستشــراف في مجال التكنولوجيا الحصري يطرح مشــكالت أقل، ألن ذلك يمكن أن يكون مرتبطًا بإســتراتيجيات الصناعات الرقمية التي يمكن التدقيق في تطوراتها. )، أن رفض الرؤية Dominique Wolton ويــرى عالم االجتماع، دومينيك فولتــون ( االستشرافية هو من مقومات المقاربة النقدية للميديا واالتصال، إضافة إلى مقومات أو شروط أخرى على غرار إيالء التفكير النظري وبناء المفاهيم أهمية كبرى واعتبار السياقات. ويرى فولتون أن رفض االستشراف يمكن أن يغذي خطابًا طوباويًّا قائمًا على الوعود ويبشــر بالثورات والتحوالت الطارئة، ويحبذ فولتون التحليل التاريخي الــذي يأخذ في االعتبــار الديناميكيات على المدى البعيــد أو التحوالت التاريخية .) 75 البطيئة( وثمة فكرة أساسية يؤكد عليها الباحثون تتمثَّل في أن االستخدام ال يتطابق دائمًا مع الغايــات التي وضعها المبتكر للتكنولوجيا. بمعنى آخر، فإن االســتخدام هو ابتكار جديد. وقد اســتمد الباحثون هذا النموذج النظري الذي يفكرون بواسطته في عالقة اإلنســان بالتكنولوجيا من نظرية التلقي التي أصبحت تمثِّل مدخ ًل نظريًّا أساسيًّا في .) 76 دراسات الميديا وعلوم االتصال( ويقــوم هــذا النموذج على فكــرة أن عالقة القارئ بالنص عالقــة تأويلية يقوم فيها بإعــادة تأويــل النصوص بشــكل مغاير للغايات أو للمعاني التــي وضعها المؤلف. لكن هذا النشاط التأويلي يتشكَّل داخل سياقات اجتماعية على غرار مثًل ما يُسمَّى الجماعات التأويلية. وعلى هذا النحو، فإن تطورات الصحافة والميديا والتكنولوجيا الرقمية ال تصنعها شركات التكنولوجيا أو مبتكرو التكنولوجيا، لكن هذا النموذج ال
Made with FlippingBook Online newsletter