وإعداد المشاهد لفهم طبيعة التوتر، ومعرفة أسبابه، وتقدير تداعياته، ليس على طرفي الصراع فحسب بل على العالم بأسره. فعند وقوع الحرب لن يكون ثمة متســع من الوقت للخوض في أســبابها، بل سيكون التركيز منصبا على سيرها، ورصد تداعيتها. وكان علي بوصفي مراســ قضى تســعة عشر عاما من العمل في فلســطين أن أتأقلم ســريعا مع الواقع الجديد ميدانيا وسياســيا، وأن أحفظ أسماء مدن جديدة صعبة النطق، وأسماء مسؤولين سياسيين وعسكرين لم أنطق بأســمائهم من قبل، دون الوقوع في خطأ محرج. لقد كان تحديا جديدا أشــبه بتغيير الذاكرة دون تغييبها. اجتهــدت كثيرا في األيام األولى من إيفادي إلى أوكرانيا في التعرف على محاور الصراع، ودراســة أســبابه، وتتبع جذوره، وسبر أغوار العالقات الروسية األوكرانية قديما وحديثا. وهو أمر بدهي يجب على أي مراسل ينتقل في مهمة عمل خارجية أن يفعله، إذ سيســهل ذلك عليه مهمة التغطية، ويجعل شــرحها للمشــاهد أمرا سهال يسيرا. فكنت أواظب يوميا على قراءة المقاالت التحليلية، ومتابعــة عديــد من المواقــع األوكرانية المحلية، وأحــاول أن أفرِّق بين الغث والسمين، وكنت أحاول التوقف عند تصريحات ومواقف لسياسيين وعسكريين ودبلوماســيين أوكرانيين، مما ســاعدني على التعمق في فهم مختلف المواقف، وبلــورة جملــة من النقاط الهامة الســتقراء األزمة، ومعرفــة خفاياها وجوانبها المتعددة. والحقيقة أن هذه المتابعة الحثيثة ســاعدتني كثيرا في فهم منعطفات مهمة في األزمة الروســية األوكرانية، وســهلت علي مهمة نقــل األخبار، وتحليلها، ومحاولة تبســيطها للمشاهد العادي.. وفي غضون شهرين ونصف قبل الحرب تمكنت من إعداد كم كبير من التقارير الميدانية التي عكست جوانب الصراع، ال سيما في إقليم دونباس، فضال عن تقارير سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وحتى ســياحية كانت كفيلة بأن توفر لمشــاهدي الجزيرة قاعدة بيانات عن كثير من األمور والجوانب المرتبطة بالصراع، مدعمة بخرائط دقيقة ومعلومات غنية، وغرافيكس جذَّاب. 2022 وهكذا عندما اندلعت الحرب في الرابع والعشرين من فبراير/شباط
10
Made with FlippingBook Online newsletter