كتاب تغطية الجزيرة للحرب الروسية الأوكرانية

الذي سأتسلم المهمة منه، وبصعوبة وبعد جهد حثيث تمكَّن فريقي من الحصول على غرفة ألبيت فيها في قرية كانت هي األقرب إلى الحدود األوكرانية، فمدينة تعاني أزمة فنادق وســكن، بعد أن وصل إليها في األســابيع القليلة " بشيمشــل " الماضيــة الجئون أوكرانيون ومتطوعون مــن كل أصقاع العالم، عبروا الحدود لتقديم العون لألوكرانيين في محنتهم، إضافة إلى صحفيين وكوادر وسائل إعالم مختلفة تجمعت لتنقل مجريات األوضاع، لذلك لم يكن من اليســير الحصول علــى غرفــة في فندق جيد وقريب، لكني تدبــرت األمر عدة أيام إليجاد مكان أفضل. الطريق من وارسو العاصمة إلى الحدود األوكرانية بدا كأي ريف أوروبي؛ في فصل الشتاء ال تكاد ترى فيه سكانا في الخارج، وبدت القرى كأنها مهجورة. اســتغرق الطريق نحو خمس ساعات.. طوال الطريق كنت أسترجع صور الالجئيــن األوكرانيين التي نقلتها قنوات التلفاز والمحطات في األيام الماضية، الصورة كانت شــبه واضحة لكنني ككل مرة أحاول التعمق أكثر، والولوج إلى خلفيات قصص تبدو أحيانا عادية من حيث هيئتها لكن بطلها هو من يدري فقط وقائعها ويستشعر ألمها. تداعــت إلــى ذاكرتي صور مــن العراق وحروبه التي ال تــكاد تنتهي منذ عقود، وموجات النزوح، وتداعيات الطائفية، والخالفات السياسية التي اضطرت عشرات اآلالف من األسر إلى الفرار من ديارها.. ومشاهد وطني سوريا وحربه طوال أكثر من عشر سنوات، من تغيرات في المعادالت السياسية والخطط، إلى تغيرات ديمغرافية ممنهجة تركت كذلك آالف األسر في بقع جغرافية ال يمتون إليها بصلة، هي في عرفهم مناطق غربة لكنها في عرف القوى اإلقليمية والدولية من متطلبات المرحلة وفق ما تم رســمه من خرائط. وأخيرا إلى حرب روســيا على أوكرانيا، وتطلعات التوسع التي يدفع المدنيون ضريبتها أكثر من الجميع. صور وصور تجول بي بعيدا، قبل أن يعيدني صوت السائق وهو يقول لي: . " ها قد وصلنا الفندق " هيئة الفندق توحي بكونه منزال ريفيا أكثر منه فندقا، فال نوافذ توحي بوجود غرف وال عمال استقبال، وال حركة عند الباب.. تمعنته سريعا ثم توجهت إلى

64

Made with FlippingBook Online newsletter