الباب؛ فغزارة األمطار حالت دون توقفي مدة أطول في الخارج. بمجرد دخولي شممت رائحة الطعام والورد. هدوء كبير يسيطر على المكان الذي بدا فارغا إال من قطة رمادية كانت الكائن الوحيد الذي تحرك الســتقبالي. مشيت عبر الممر إلى طاولة االســتعالمات، وجدت هناك رجال غفا على كرســيه وما إن ألقيت عليه التحية حتى استيقظ ليتأكد من حجزي، ثم دلني على مبنى آخر بجانب هذا البنــاء، وأخبرنــي بأن غرف المبيت هناك. إنه بناء قروي قديم، يبدو أنه تعرض للترميم مرارا؛ فهو ال يزال محافظا على جمال شكله رغم قدمه. استرحت قليال، بعدها وصل زميلي محمد البقالي مع المصور وجلسنا وتحدثنا كثيرا عن الوضع والمعبر الذي يبعد نحو خمسين دقيقة من الفندق. كان اإلرهاق باديا على محمد بعد أن قضى أكثر من أسبوعين هناك في تغطية تمتد من الصباح وحتى ساعات متأخــرة من الليل، أما أنا فكنت متلهفــة للوصول إلى هناك والبدء في العمل. أنهيت عدة مراسالت ثم اتفقت مع غرفة األخبار على المباشرة باكرا من المعبر. في الصباح الثاني تحركنا باكرا، وتحديدا الســاعة السادســة صباحا باتجاه المعبر، وكانت مداخلتي األولى من هناك في الســاعة الثامنة بالتوقيت المحلي والتاســعة بتوقيت الدوحة. على الطريق كانت الثلوج تتســاقط والضباب كثيفا، فال نكاد نرى الطريق. إذن هذا هو معبر ميديكا، وها قد وصلنا إلى النقطة التي وصل صيتها إلى جميــع أرجــاء العالم بين ليلة وضحاها. كان لــدي بعض الوقت قبل مداخلتي األولى، وعادة أول ما أقوم به عندما أصل موقع العمل هو أن أستكشفه وأتجول فيــه، ألتفقد المكان والناس واألجواء، وهذا ما فعلته.. مشــيت رفقة مصوري اإلســباني من بداية المكان حتى البوابة الحدودية.. يوحي الموقع بأنه ســوق به محــ ت ممتدة على طريق واحد يصل إلى البوابة. للوهلة األولى يبدو ســوقا مركزيا واستراحة اعتيادية لمسافرين بين حدود أي بلدين، وربما كان حاله سيبقى كذلك لوال الحرب التي شــنتها روســيا على أوكرانيا فحولت البوابة إلى معبر إنســاني لبر األمان.. عشــرات المتطوعين بمعاطف فوسفورية يقفون على طول الطريــق، منهم من يحمل الطعام، وآخرون يقدمون احتياجات أخرى، وبعضهم يساعد الالجئين بحمل حقائبهم أو بالترجمة لهم.
65
Made with FlippingBook Online newsletter