كان رجال قد تجاوز الخمســين، لم يترك أي مســاحة لوشم إضافي على ذراعيه وعنقه. كنا ستة أشخاص في الحافلة الصغيرة: السائق وبجانبه المصور، وفــي المقعد المتوســط أنا والمنتــج، وفي المقعد الخلفــي الجندي المتطوع والمترجم.. كنا نسير في طرق وعرة ومعزولة بين مساحات شاسعة من المزارع والبيوت الريفية المتواضعة على مدار أربع ساعات متواصلة.. بين الحين واآلخر نشاهد آليات عسكرية معطوبة وصناديق ذخيرة خضراء مترامية في الوحل.. قابلنا قلة من السكان المحليين كانوا يرمقوننا باستغراب لكن ذلك لم يلفت انتباهنا. في ذلك الوقت كنا نفكر في الوصول وفي توثيق ما يقابلنا على الطريق. توقفنا مرة وقررنا أال نقترب من اآلليات العسكرية المعطوبة لتصويرها خوفا من األلغام التي أصبح نصبها مألوفا خلف القوات المنسحبة. ثــم دخلنا طريقا كانت آثار جنازير الدبابات واضحة عليه، أخبرنا الجندي بأن في نهايته جسرا قصفته القوات األوكرانية لقطع الطريق على القوات الروسية المتقدمــة نحو خاركيف. قررنا االقتراب منه قبل التوجه إلى أقرب قرية لمدينة إزيوم. مررنا على ثالث دبابات محترقة على جانب الطريق ثم انكشــف أمامنا الجســر المدمر الذي يمر من أســفله نهر جار بعرض خمسة أمتار على األقل. ال يعرف المترجم للنهر اســما لكثرة األنهار الداخلية في أوكرانيا، كان المشهد يستحق تسجيل وقفة أمام الكاميرا. هم المنتج والمصور والســائق والمترجم والجندي المرافق بالســير اتجاه الجسر، وبقيت أنا في السيارة أستجمع أفكاري لصياغة الوقفة أمام الكاميرا، ثم فجأة ســمعت صوت إطالق نار.. نظرت باتجاه الفريق فوجدتهم ممددين على األرض خلف ساتر إسمنتي، أدركت فورا أننا مكشوفون إلطالق نار من مكان ما، حملت هاتفي وبدأت تســجيل ما يحصل ثم فتحت باب الســيارة وانزلقت أسفلها بحيث أوثق ما يحدث للفريق وأحمي نفسي.. كان الكل يصرخ بالعربية واألوكرانيــة واإلنجليزية، لكن الرياح القوية حالت دون فهمي ما يُقال. أدركت بأن إطالق النار قادم من خلف الجســر بإشــارة من المنتج، كان الفريق يخشى أن يتحرك من خلف الساتر اإلسمنتي فيطلق القناص النار عليه مباشرة. فــي ذلــك الوقت، وأنا ممددة على األرض، وقــد التصق وجهي بها، مر
76
Made with FlippingBook Online newsletter