القناص.. ما إن استوعبت المشهد حتى انطلقت رصاصة أخرى انبطحنا أرضا.. مــا الذي حدث؟ نحن مكشــوفون أمامهم بكل وضــوح هل أصابت الرصاصة أحدنا؟ هرب الجندي المرافق لنا؟ اختفى بين الحشائش والوحل؟ جن جنون الجنود عند الساتر.. كالم غير مفهوم وصراخ. سألت المترجم ألن من هم أمامنا قوات روســية.. هو " بانفعــال: لماذا هــرب؟ تلعثم وأجاب . ظننت أنني لم " ســيكون أســيرا أما نحن فصحفيون وسنعامل بشــكل مختلف أفهم الترجمة فأعدت السؤال للمنتج: لماذا هرب؟ . قلت " يبدو أن الجنود الواقفين أمامنا من القوات الروسية " ثم كرر اإلجابة لــه: لكنهم يرتدون مالبس الجيــش األوكراني، وقد لمحت ربطات صفرا على أذرعهم. فقال: يبدو أنها قوة روسية متخفية، ألنهم يتحدثون األوكرانية بصعوبة، ويجيدون الروسية. طلب الجنود أن نتجه إلى الجانب الشــمالي للجســر.. تحركنا الواحد تلو اآلخــر وأصبحت األذرع منهكة وهي معلقة بالهواء.. أصبحنا مكشــوفين تماما ومالصقيــن لضفة النهر، ثم أمرنــا الجنود بأن نخفض أيدينا وأن نبقى متفرقين بعضنا عن بعض. عم الصمت المكان. ســحبت األفكار المتزاحمة في رؤوسنا كل واحــد منا إلى عالمه الخاص. تلك األفــكار التي تأتي بتفاصيل لم تلتفت إليها من قبل. كنت أحاول تخيل مشــهد ما الذي سيحدث بعد ذلك، لن نبقى مصلوبين بالوحل إلى ما ال نهاية، هل سيرسلون قوة تأتي من مكان ما لتنقلنا إلى الجهة المقابلة؟ هل سيحضرون سيارات لنقلنا إلى مركز اعتقال؟ هل عندما يسألوني: من أي بالد أنا قادمة، ســيعرفون فلســطين؟ أم مثل كثر غيرهم قابلتهم ســابقا تتملكهم الدهشة حين سماع اسم وطني؟ خالل السنوات التي كبرت فيها في فلسطين وعلى الحواجز العسكرية، وفي زيارات المعتقل حيث يسجن االحتالل شقيقيّ، وفي يومياتنا المنغَّصة بالبطش، اصطدمت مرات ومرات بجنود ومســتوطنين قادمين من أوكرانيا. وأثناء عبورنا من الحدود البولندية باتجاه أوكرانيا ومشاهدة األوكرانيين بأمتعة قليلة يجتازون
78
Made with FlippingBook Online newsletter