الحدود بكل آدمية بعيدا عن مشاهد اللجوء التي شاهدناها في دول عربية عديدة، كنت أتســاءل: إلى أين يذهبون؟ هل هم في طريقهم إلى بالدي كمســتوطنين؟ هل سيعيشون في بيت سقفه من القرميد األحمر، ضمن تجمع استيطاني جميل، تتوفر فيه كل الخدمات، مُطل على بيوت الفلسطينيين المحرومين من البناء؟ أم سيشــاهدون من بعيد مخيمات الالجئين؟ هل ســيزورون القدس ويسيرون في أزقتها وأنا التي حُرمت من عبق شــوارعها منذ ســنوات طوال رغم أنها تبعد ثالثين دقيقة عن بيتي؟ هل سيستلطفون العيش على أراض مسلوبة من أصحابها األصليين الذين أضحوا الجئين متهمين بأنهم باعوا أرضهم في نظر تيار تطبيعي صاعد يُروِّج بأن الفلسطيني باع وخان؟ قبل أيام من حادثة الجسر، كنا قد صورنا تقريرا عن إخالء حديقة الحيوان في مدينة خاركيف، كانت مهمة محفوفة بالمخاطر، فالحديقة أصبحت تقع على خطــوط النار وعلقت الحيوانــات هناك، وفي أول محاولة إليصال الطعام إليها مع بداية الحرب قُتل ســائق الحافلة. ذهبنا مع المربين إلى الحديقة.. كنا نقطع الحواجز وعلى جانبي الطريق غابات خضراء ساحرة. كانت تتم عملية إجالء الحيوانات بسرعة على وقع إطالق القصف المتبادل بيــن الطرفين. وفي لحظات انتظار أن يأخــذ التخدير مفعوله لتهدئة الحيوانات المفترســة المذعورة جاءني هذا الســؤال من أحد المربين باإلنجليزية: من أين أنتِ؟ أجبته من فلسطين، هل تعرف فلسطين؟ ابتسم وقال لقد زرت أورشليم. باغته فورا: أنت تقصد القدس جوروســاليم. فهز رأســه قائال: نعم نعم. أردت التأكيــد. فقلــت له ونحن ننتظر أن تتخدر اللبؤة، لكنني فلســطينية، أنا لســت إسرائيلية. ابتسم وقال: نعم نعم. لم يكن الموقف يســمح بأي نقاشات لكنني تأملته جيدا، كان يشبه وجوه مئات المستوطنين الذين شاهدتهم من قبل وهم يعربدون في الخليل ويقطعون الطرق ويقتلعون األشجار في نابلس. لطالمــا حملــت وطني معي مذ غادرت فلســطين، وأدركت أن الناس ال يعرفــون عــن حياتنا في ظل االحتالل كثيرا، فكنــت أقص عليهم حكايات من يومياتنــا، كل يقــاوم المحتل على طريقته، وهذه طريقتي؛ أن أحمل قصة وطني
79
Made with FlippingBook Online newsletter