العدد18

| 50

كمــا قدَّمــت العون االقتصادي ألوروبــا المحطَّمة بعد الحــرب العالمية الثانية في (مشــروع مارشال)، ووفَّرت المظلة العسكرية الحامية بتأسيس حلف الناتو وقيادته. فمن المهم لخروج الفضاء الحضاري اإلســ مي من مأزقه الحالي ظهور دولة (أو مجموعة دول) محورية قوية، تتصدر مسيرته بجدارة. وهنا يثور سؤال جوهري وهو: أين مركز الثقل اإلستراتيجي في هذا االمتداد الجغرافي والثقافي الضخم الذي ندعوه اليوم: العالم اإلســ مي؟ وهل يمكن أن يكون للعالم اإلســ مي رأس واحد، وقلب واحد، ومركــز ثِقَل واحد أم أنه بطبيعته عالَم متعدد األبعاد، موزَّع األقطاب، وله أكثر من قلب ورأس وجاذبية؟ توجد أطروحات ثالث تستحق الوقوف عندها في هذا المضمار، وهي: نظرية مالك بن نبي االجتماعية التي تؤمن بأن مركز ثِقَل اإلســ م أصبح في جنوب شــرق آسيا، ونظرية محمد المبارك الثقافية التي تتمسَّك بمركزية العالم العربي في الفضاء الحضاري اإلسالمي، ونظرية صامويل هنتنغتون الجيوســتراتيجية التي ترشِّح تركيا لتكون دولة المحور في العالم اإلسالمي. يقــدِّم مالك بن نبــي تحلي ًل ذا طبيعة اجتماعية، فيتوصل إلــى أن مركز ثقل العالم اإلســ مي المعاصر قد انتقل إلى جنوب وشرق آسيا، وتحديدًا إلى باكستان والهند وإندونيسيا وماليزيا. فعلى عكس السردية الشائعة في العالم العربي تقليدًا بليدًا للسردية االستعمارية، والقائلة بأن اليقظة المعاصرة في العالم اإلسالمي بدأت بحملة نابليون ، يرى مالك بن نبي أن هذه اليقظة لم تبدأ إال بعد ستين عامًا 1798 على مصر، عام من ذلك، وفي آســيا تحديدًا، ال في الشــرق األوسط. فالبداية في تقدير مالك كانت ، ذلك التمرد 1858 بتمرد الجنود المســلمين الهنود على االســتعمار اإلنكليزي، عام ،) 1897 - 1838 الذي أحدث هزة في الضمير المسلم، حوَّلها جمال الدين األفغاني ( ) فيما بعد، إلى خطاب توعية وتحفيز للجماهير 1905 - 1849 ثم تلميذه محمد عبده ( .) 102 المسلمة الراكدة( كما ذهب مالك إلى أن من ثمار التحوالت االجتماعية والسياسية في القرن العشرين ال يكف مركز ثِقَله السكاني " )؛ فاإلسالم 103 ( " أصبح اإلسالم نفسه واقعًا آسيويًّا " أن ). ولذلك لم يعد مركز العالم اإلسالمي على ضفاف 104 ( " عن التحول إلى الشــرق البحر األبيض المتوسط، كما كانت الحال في الماضي، بل أصبح في جنوب شرق

Made with FlippingBook Online newsletter