عاصفـة هامـدة، تنتظـر هبـوب الريـاح لتعـوم بغضـب وتنثـر القرنفـل الحـارق، الـذي جثـا كالمسـامير الصّدِئـةِ علـى جسـدها النحيـل. دخـا فـي حالـة مـن الشـدّ والجـذب بالـكلم واللـوم والصّـراخ، معظـم الأشـياء تفقـد بريقهـا وتوهجهـا حيـن تحكمهـا العـادة، خـرج مـن منزلـه، ذهـب إلـى منـزل صديقـه رائـد الـذي اجتمـع فيـه حيـث كان الأصدقـاء بانتظـاره هنـاك، لـم يـدرك أيّ واحـد منهـم أهميـة التّباعـد الاجتماعـي، والمخاطـر العميقـة التـي سيتسـببون بهـا لعـدم التزامهم منازلهـم، ل ـم يدركـوا أنّ أنانيتهـم سـتقيس حجـم المـرات التـي سيستنشـقون فيهـا الغـرق، حيـن يكونـون سـببًا فـي زيـادة أعبـاء المـرض. التقـى بأصحابـه وصافحهـم، تبادلـوا التحيـات، ولسـوء الحـظ أن أحدهـم كان مُصابًـا دون أن يعلـم بذلـك، نقـل المـرض لجميـع المتواجديـن فـي تلـك الجلسـة. عـاد إلـى المنـزل، وبعـد انقضـاء أسـبوعين بـدأت الحـرارة والسّـعال الجـاف والإرهـاق تظهـر عليـه وعلـى أفـراد أسـرتهِ جميعًـا. ذات الحال تكرر مع جميع أصدقائه الذين نقلوا العدوى لذويهم. عام ًـا- كان ـت هـي الأسـوأ بي ـن أف ـراد 19 لكـن حال ـة ابن ـه مع ـاذ -البال ـغ م ـن العمـر العائلـة، لا سـيما أنّ مناعتـه ضعيفـة بالإضافـة إلـى أنّـه مقعـدٌ علـى كرسـيّ متحـرك، بسـبب حـادث سـير تعـرّض لـه منـذ سـت سـنوات. جميعهــم اســتطاعوا بعــد معانــاة كبيــرة، وبرحمــة مــنالله جــل وعــا، والعنايــة الطبيـة أن يتجـاوزوا مرحلـة الخطـورة، لكـن معـاذًا كانـت حالتـه تسـوء، فأخبـر الأطبـاء والديـه أنّـه فـي حالـة حرجـة جـدّا. بـدأت هواجـس الفقـد تقـرع أوانـي النـدم، هـزّ الرّعـد كيـان خالـد بعـد سـماعه الخبـر الـذي كان سـببًا فـي حدوثـه، بـدأت الدمـوع تنهمـر مـن عينيـه وزوجتـه حنـان تبكـي بحرقــة شــديدة. حينهــا أدرك خالــد أنّ مــرارة السّــجن فــي المنــزل، أهــون بكثيــر مــن مـرارة الفقـد، ثـم لام نفسـه لأنّـه ادّعـى بـأنّ منزلـه يدعـى سـجنًا، ونسـي أنّـه هـو مـن سـمح لهـذه الصّـورة أن تنمـو بداخلـه، حيـن سـمح للغشـاوة أن تنطلـي علـى عينيـه، وأقنـع عقلـه اللواعـي الـذي كان مصيـدة للمعانـي الهدّامـة التـي ظـل يكررهـا علـى نفسـه، بـأن عائلتـه لا تحتـاج منـه سـوى المـأكل والمشـرب، وأن بنـاء عائلـة متماسـكة مشـبعة نفسـيّا وروحيّـا مـا هـو إلا أمـر يحققـه المـال. شــعر بالدهشــة عندمــا أدرك أنّ معتقداتــه كانــت خاطئــة، حيــن اعتبــر المــال كل
100
Made with FlippingBook Online newsletter