Together Apart-(A)

حيـث ظلّـت تسـعى دائمًـا لتطويـر قدراتهـا، كـي تواكـب العلـم والتّطـوّر، حتـى تثبـت ذاتهـا، لذل ـك كان ـت إرادتهـا الحـادّة منفـذًا لهـا، كـي تسـتخرج قوتهـا الكامن ـة، حت ّـى تتفـوّق فـي عملهـا، لـم يثنهـا ذلـك عـن الاهتمـام بأولادهـا، وتربيتهـم تربيـة صالحـة فممارسـة الصّب ـر تحكمهـا الإرادة. إلـى أن جـاء ذلـك اليـوم الأصفـر، الـذي رقد تحـت وطأة الخـوف من مسـتقبل مجهول للبشـريّة جمعـاء، يـومٌ حمـل فـي رحمـه فيروسًـا يتوالـد بسـرعة اسـمه كورونـا، أجبـر أغلـب مناحـي الحيـاة علـى التوقّـف دون سـابق إنـذار، ممّـا سـبّبصدمـة للنّـاس، يسـير ضـد برامجِهِـم التـي تتيـح لهـم أن يعيشـوا ضمـن ظـروف حياتهـم المعتـادة، مـع ذلـك جعلهـم يعيشـون ضمـن دائـرة ضيّقـة مغلقـة، البعـض انهزمـوا أمـام قلّـة الوعـي، وذلـك لاعتقادهـم أنّهـم مؤهلـون لاحتـال الحياة. كان ـت فت ـرة الجل ـوس فـي المن ـزل بسـبب الوقاي ـة مـن كورون ـا، هـي أول وأطـول سـنة، أصبحـا ينقّبـان عـن عثرات 20 فتـرة يلتقـي فيهـا خالـد مـع حنـان وأولادهمـا منـذ بعضهمـا، لاحـت فـي أعينِهمـا إشـارات اسـتفهام وغضـب متبـادل، يحـاول كلّ منهمـا أن يخمّـن مـا يـدورُ مـن أفـكار فـي خَلَـدِ الآخـر. كانــت النظــرات تبــوح بمــا لا تقولــه الكلمــات، لــم تكــن روح خالــد قــادرة إلا علــى استنســاخ الاســتهتار مــع عائلتــه، لينمــو فــي داخلــه جــاّد وهــو لا يــدري. لـم يلتـزم الجلـوسفـي المنـزل، يخـرق قواعـد الالتـزام التـي حثّـت الدولـة الجميـع على ضـرورة التقي ـد بهـا، فضـاً عـن اتخاذهـا الكثي ـر مـن التدابي ـر الصّارمـة، الت ـي فرضتهـا علـى الجميـعِ، للحـدّ مـن ظاهـرة الاختـاط والتّجمعـات حفاظًـا علـى حياتِهـم. فتـح خالـد قنـاة الأخبـار التـي كانـت تبـثّ نشـرة عـن الحمـات التّوعويـة حـول مخاطـر كورونـا، وأهميـة الالتـزام بالتّباعـد الاجتماعـي، لأن هـذا الفايـروسوبـاءٌ سـريعُ الانتشـار بيـن البشـر، ينتقـل بالملمسـة والمصافحـة ولا يفـرق بيـن الأشـخاص. أطلـق تنهيـدة يشـوبها الملـل، مـرددًا: ذات الأخبـار نسـمعها كلّ يـوم منـذ أسـبوع، زمجـر بغضـب عندمـا علـتضحـكات ولدَيـه عمـاد ومعـاذ، اللذيـن كانـا يتبـادلان المـزاح والضحـك، نعتهمـا بألفـاظ جارحـة، لـم يقـدّر أن وجـود عائلتـه وجلوسـهم حولـه، هـي نعمـة كبـرى مـنالله عـز وجـل، عليـه اغتنامهـا ليوسّـع مـن ضيـق الزّوايـا بينـه وبيـن أفـرادِ أسـرته، أمَرهـم بـأن يذهبـوا إلـى غرفـةِ نومِهِمـا. فـي تلـك اللحظـة هبـت مليـارات مـن ذرات الرّمـال إلـى قلـب حنـان، التـي بـدت وكأنهـا

99

Made with FlippingBook Online newsletter