Together Apart-(A)

ومـن أجـل أولادي، ومـن أجـل كل أحبابـي. وقـد صـرت مرعوبًـا أن أفقـد أحدهـم! فأنـا لا أقـوى علـى فراقهـم. ولكن ـي فقـدت فـي الواقـع الكثي ـر مـن الأحب ـاب مـن قب ـل، فقـد مـات أخ ـي الأصغـر بحـادث غـرق حينمـا كنـت طالبًـا بالجامعـة، وخبـأ عنـي والـداي الخبـر، لأن هـذا الأمـر وقـع فـي فت ـرة الامتحان ـات، وهمـا يعلمـان أن ـي كن ـت الأول عل ـى الدفعـة، وأرادوا أن أكمـل امتحاناتـي، محافظًـا علـى ترتيبـي بيـن زملئـي، وحتـى أكمـل الحلم، فقـد كان يحلـم والداي أن أصبـح أسـتاذًا جامعيّـا، وقـد صـار وللـه الحمـد. ولكن الفيروس يفتك بالجميع! إن الفيــروس لا يفــرق بيــن شــخصوآخــر، لا يفــرق بيــن متعلــم وجاهــل، بيــن أســتاذ جامعـي وغيـره، بيـن أميـر وغفيـر، الجميـع ضعيـف أمـام هـذا الجنـدي الخفـي الذي أرسـله الله ليرينـا مـدى قدرتـه سـبحانه، ومـدى ضعفنـا نحـن البشـر. ولـو نظـرت إلـى الفيـروس عل ـى أن ـه عـدو، فقـد أشـعر بالهل ـع لمـا يملكـه مـن قـوة فت ـك جب ـارة. ولكن ـي حينمـا أراجـع تاريـخ البشـرية مـع الأوبئـة والأمـراض، أدرك تمامًـا أن لهـذا الوبـاء أجـاً، وأن لهـذا الفيــروس عمــرًا، مثلنــا نحــن البشــر، وســينتهي أجلــه ثــم يختفــي كمــا بــدأ. فــا داعــي للهلــع! فكــم مــن الأوبئــة مثــل الكوليــرا، والإنفلونــزا الإســبانية، وغيرهــا مــن الأوبئــة الضاريـة قـد تجاوزتهـا البشـرية فـي فتـرات وجيـزة. ولكـن السـؤال: مَـن مِـن البشـر قـد هل ـك، ومـن ذا ال ـذي نجـا؟! أحيانًـا ينتابنـي شـعور بأنـي شـخص أنانـي، فكثيـرًا مـا تبـادرت إلـى ذهنـي هـذه الأفـكار السـوداوية ف ـي هـذه الأزمـة النفسـية الت ـي أمـر بهـا بسـبب هـذا الفي ـروس اللمرئ ـي. وكنـت كثيـرًا مـا أتمنـى أن أكـون مـن الناجيـن مـن هـذا الوبـاء، مـع علمـي التـام أنـه لابـد مـن ضحايـا. فهـذا للأسـف أمـر بديهـي وحتمـي. وكثيـرًا مـا كان يتبـادر إلـى ذهنـي ذلـك المثـل الشـائع: «إذا جـاء الطوفـان... ضـع ابنـك تحـت قدميـك». ولكـن هـذا المثـل قبيـح، فهــو يعنــي أن يضحــي الإنســان بأقــرب النــاس إليــه حتــى ينجــو هــو. ولكــن الفيــروس حتــى لــم يعــط الفرصــة لــذوي القلــوب المريضــة مــن أن يمارســوا فعلتهــم الشــنعاء هـذه، حيـث يضحـون بآخري ـن مـن أجـل نجاتهـم، وذل ـك لأن ـه لا يفهـم سياسـة، أو مكـر، أو خبـث البشـر فـي التعامـل مـع الضحايـا، إذ إنـه لا يفـرق بيـن أحـد منـا جميعًـا، والواقـع الـذي نعيشـه فـي هـذه الأيـام، فـي ظـل انتشـار فيـروسكورونـا يثبـت مـدى عـدل هـذا العـدو تجـاه البشـرية. ولكنـي أعـرف نفسـي جيـدًا، وأؤمـن أنـه إن جـاء المـوت فسـأقدم نفسـي مضحيًـا بهـا مـن أجـل نجـاة أحبابـي، فـا عيـش يحلـو إلا بهـم.

9

Made with FlippingBook Online newsletter