Together Apart-(A)

مبدعيـن عظمـاء مثـل كامـو وغيـره وعبـر أعمـال سـردية خالـدة كالـ«الطاعـون» قـد استشـرفوا المسـتقبل، لا بـل كتبـوا تفاصيـل كدنـا نتخيلهـا سـوريالية أو فانتازيـة إلا أن بعضًـا منهـا يتحقـق حرفيّـا فـي زمـن الـ«كورونـا»، وكأنهـم كانـوا يحـذرون مـن تعمـق حالـة الوحـدة والانعـزال التـي يعيشـها الإنسـان المعاصـر، لا بالحالـة الشـعورية الداخلية أو بالمعنـى الفلسـفي الـذي تبنـاه فلسـفة «العبـث» فقـط، بل حتـى بالانعزال الجسـدي والانفصـال الفيزيائـي التـام (إلـى حـد الآن... متـران علـى الأقـل بيـن كل شـخص وآخـر وعلمـاء أوبئـة أوصـوا بأربعـة أمتـار)، ذاك الـذي تسـميه وسـائل الإعـام حاليّـا بـ«التباعد الاجتماعـي» كوسـيلة يوصـي بهـا العلمـاء لمنـع انتشـار المـرض أو للحـد مـن ذلك على الأقـل، وهـا هـي الصـور والمشـاهد بـل حتـى الشـخصيات التـي رسـمها كامـو نعاينهـا ونتاب ـع أخبارهـا يومي ّـا عب ـر الفضائي ـات، صـور الجث ـث المكدسـة فـي حافـات وعرب ـات عسـكرية تدفـن ليـاً علـى عجـل فـي مقابـر جماعيـة (حاولـت بعـض الـدول إخفاءهـا فكشــفتها الأقمــار الاصطناعيــة)، أهالــي الأمــوات ممنوعــون مــن حضــور لحظــات الدفـن المرتجلـة المسـتعجلة التـي تتولاهـا فـرق خاصـة (صـورة تذكرنـا بفـرق الإعـدام فــي الأنظمــة الشــمولية)، لا صلــوات ولا أدعيــة ولا طقــوس دينيــة أو حتــى عناقًــا مخادعًــا ودموعًــا مفترضــة فــي مثــل تلــك المواقــف، أنــاس وجــدوا بيوتهــم فجــأة وقـد تحولـت إلـى سـجون تقصيهـم عـن أعمالهـم اليوميـة وجيرانهـم وأحبتهـم. آلاف الأطبـاء حـول العالـم تسـلل الفيـروس الفتـاك إلـى أجسـادهم، مئـة طبيـب ماتـوا فـي إيطالي ـا وحدهـا (إل ـى وقـت كتاب ـة هـذه الأسـطر)، ألا يسـتعيد مـن قـرأ «الطاعـون» حكايـات الأطبـاء الذيـن أصيبـوا بالطاعـون ومنهـم بطـل الروايـة «الدكتـور ريـو» الـذي جـازف بحياتـه مـن أجـل إنقـاذ أكبـر عـدد ممكـن مـن أهالـي وهـران فهشـمه المـرض وحطمـه نفسـيّا لكنـه لـم يقتلـه مثلمـا فعـل مـع العديـد مـن زملئـه؟... وهـران التـي ، هـي لومبارديـا ووهـان وقـم ونيويـورك وباريـس 1947 ولـدت فـي خيـال كامـو عـام ولنــدن وبرشــلونة وكل المــدن المكلومــة التــي حاصرهــا الخــوف والرعــب والمــوت فـي تسـونامي الكورونـا تلـك... بـل يمكـن القـول إن وهـران ألبيـر كامـو هـي عالمنـا الراهــن الــذي نطــل عليــه عبــر الإنترنــت والفضائيــات ولا نــدري إلــى أيــن يأخــذه هــذا الفي ـروس السـادي المتل ـذذ بتحطي ـم خليان ـا واجت ـراح سـيناريوهات مرعب ـة لمسـتقبل البشــرية (هــل تحررنــا فعــا مــن ســطوة البيولوجيــا كمــا بشــرنا علمــاء التكنولوجيــا ومبرمجـو الروبوتـات وزمـن «مـا بعـد الإنسـانية»؟). ولكن مهلً...

119

Made with FlippingBook Online newsletter