Together Apart-(A)

من المِحْنَةِ إلى المِنْحَة د. عمرو جمعة محرربدارجامعة حمد بن خليفة للنشر

مـن رحـم المِحَـنِ تولـد المِنَـح، فـا تـكاد تجـد مِحْنَـة إلا ولهـا وجـه مـن وجـوه المِنْحَـة، ، مــن 2020 وبدايــات عــام 2019 ولا أدل علــى ذلــك ممــا حــل بالبشــرية نهايــات عــام نـزول بـاء كورونـا بهـم ومـا صاحبـه مـن معاناتهـم المسـتمرة؛ مـن فقـد أحبتهـم، وعزلهـم ع ـن ذويهـم، وتقيي ـد حرياتهـم؛ ممـا ل ـم يشـهده غالبي ـة أهـل الأرض ف ـي العصـر الحدي ـث. نـزل الوبـاء فـي عصـر طغـت فيـه التكنولوجيـا وانتشـرت فيـه وسـائل الاتصـال حتـى أحكمـت سـيطرتها عل ـى بن ـي الإنسـان، فت ـرى الواحـد منهـم لا ي ـكاد يفـارق شاشـته الصغيــرة المضيئــة التــي بيــن يديــه، تــراه متعلقًــا بهــا ملزمًــا لهــا علــى كل حــال، لا يغادرهــا صغيــرًا كان أو كبيــرًا، كأنمــا ألــزم بهــا فــي يــده يــوم مولــده، حتــى صرنــا جميعًـا نسـير علـى أقدامنـا ليـلَ نهـارَ بـا هـدًى وعلـى غيـرِ مـا وعـيٍ منـا، فـا ننظـر إلـى خطان ـا قـدرَ مـا نغـوص فـي شاشـاتنا، ولا تأب ـه قلوبنـا لقلـوب النـاس حولنـا قـدر مـا تأبـه لحروفهـم وكلماتهـم الآتيـة مـن خلـف حجـاب مضـيء وإن تواجهـت أجسـادهم. ورأي ـت البعـض -مـن فـرط اهتمامـه بمـا يطال ـع عل ـى شاشـته- يعمـد إليهـا لتهدي ـه متــر تقريبًــا انحــرف يمينًــا، ثــم انحــرف يســارًا، 500 الطريــق، فهــا هــي تخاطبــه: «بعــد حينهـا تجـد وجهتـك علـى يمينـك». ولـو أنصفـت لأكملـت: «وحينهـا تنعـزل عـن الآخرين وينعـزل عنـك الآخـرون» فـا أنـت محتـاج إليهـم ولا هـم فـي حاجـة إليـك. ورأيـتَ مـن تل ـك المشـاهد أن يجمـع الأسـرةَ الواحـدة مـكانٌ واحـد متواري ـن جميعًـا خل ـف جـدار مـن الشاشـات المضيئـة، فيخاطـب الأخ أخـاه كتابـة لا مشـافهة لاغيًـا مـا بينهمـا مـن وشـائج وعلئ ـق. ألــم تــر أيهــا الإنســان إلــى تلــك العزلــة الإلكترونيــة الافتراضيــة التــي فرضتهــا علــى نفسـك قبـل أن تفـرض عليـك، ثـم هـا أنـت ذا تشـتكي العـزل الصحـي والحجـر المنزلـي، إذ حرم ـاك م ـن حرمتهـم وُدّكَ، ومنع ـاك م ـن حرمتهــم ابتسـامتَك. لق ـد سـبَقْتَ إل ـى عزلت ـك قب ـل أن تُفـرَض علي ـك، وقطعـت الطري ـق إل ـى وصال ـك قب ـل أن يُب ْـذَل إلي ـك.

138ُ

Made with FlippingBook Online newsletter