Together Apart-(A)

لكـن الفرصـة لا ت ـزال مواتي ـة، فهـا هـو الوب ـاء يعيـدك إل ـى دائرت ـك الصغي ـرة؛ أعنـي أســرتك لتــوادوا وتهــادوا وتحابــوا. إنهــا منحــة مــن قلــب المحنــة! ففيهــا خالطــت الأسـرةُ ربّ البيـت وهـو مقيـد بضغـوط العمـل وأعبائـه فـي حجرتـه ينافـح فـي اجتمـاع افتراضـي م ـع زملئ ـه ع ـن رأي ـه ووجهـة نظـره، وفيهـا خال ـط ربّ الأسـرة أهـلَ بيت ـه وهـم أسـرى واجبـات منزلـه وأبنائـه، وفيهـا خالـط الآبـاءُ معلمـي أبنائهـم وعانـوا مـا يقاسـونه فـي تربيتهـم وتقويمهـم عـن بعـد عبـر فضـاء إلكترون ـي بلـه عـن قـربٍ. وهـا هـو كذلـك -أعنـي الوبـاء- يعيـدك إلـى دائرتـك الكبيـرة؛ إلـى مجتمعـك لتعارفـوا وتعاونــوا، فتــرى القلــوب الســليمة -وقــد رق حالهــا- تعطــف علــى قلــوب استأســد عليهــا الوبــاء والمــرض حتــى غــدت ضعيفــة منكســرة لا ينفعهــا جــاه ولا ســلطان ولا منصـب ولا غنـى ولا مـال! ورأيـت النفـوسصنـو القلـوب تبـذل الغالـي والنفيـس تضحيــة وفــداء لأخــوة الإنســانية التــي انقطعــت أرحامهــا منــذ أزمنــة طويلــة تحــت دع ـاوى التميي ـز العرقـي ت ـارة والدين ـي أخـرى. ولئـن كان فـي العزلـة والاعتـزال إصـاح العلقـات وتقويـة الصـات فـإن فيـه التفكـر فـي المـآلات والتفـرغ إلـى النشـاطات وإدراك الأعمـال قبـل فـوات الأوقـات، فكـم مـن أعمـال تراكمـت عليـك؛ حجبـك عـن تحقيقهـا التسـويف إلـى مسـتقبل الأوقـات، ومنعك منهـا التأجيـل إلـى أوقـات الفراغـات، وكـم مـن كلمـات دونتهـا فـي مفكرتـك تنـوي القيـام بحقهـا حتـى ضاقـت بـك صفحاتهـا، وكـم مـن مواعـد أخرتهـا عـن أوقاتهـا لا تـدري مـا تصنـع بهـا. فف ـي العزل ـة تذكـرة بقيمـة الوق ـت وعرف ـان بأهميت ـه ودع ـوة للنتف ـاع ب ـه فيمـا ينفـع المـرء والنـاس. والأمـم العظيمـة تـدرك قيمـة الأوقـات، فالوقـت هـو الحيـاة، ولا أدل علـى احتـرام بلـد لقيمـة الزمـان مـن رفعهـا أب ـراج السـاعات عاليـة فـوق كل مبنـى مقـدر ومحتـرم فيهـا وفـي كل ميـدان شـهير بعاصمتهـا. ولعـل ذلـك مـن بـاب الحــض علــى دوام المراقبــة للنفــس ومضاهــاة أعمالهــا بالوقــت، ومقارنــة ماضــي الحـال بمضـارع الزمـان. ولعـل فـي المحنـة مـا فيهـا من منـح التعـرف على قيمـة الأوقـات، ومراعـاة الأعمال بالقيـاس إلـى الأزمـان، وإعطـاء كل ذي حـق حقـه مـن الدقائـق والسـاعات. وحسـبك مـن عزلتـك «زاويـةً صغيـرة تقـف فيهـا أمـام عقلـك» علـى حـد قـول دستويفسـكي، تسـتعيد فيهـا قوتـه وتسـترجع منهـا فكرتـه، فقديمـا قالـوا: «مـا نفـع القلـبَ شـيء مثـلُ عزلـة يدخـل بهـا ميـدان فكـرة».

139

Made with FlippingBook Online newsletter