Together Apart-(A)

وفـي المحنـة منحـة بإعـاء قيـم النظافـة ورجـوع بالإنسـانية إلـى فطرتهـا السـليمة فـي غسـيل أياديهـا، فمـن العجـب ألا يملـك المـرء سـاحًا سـوى أن يغسـل يديـه فـي مواجهـة هـذا الوب ـاء، ولا يج ـزئ مطل ـق الغسـل إلا أن يكـون مقي ـدًا بعشـرين ثاني ـة وعلــى هيئــة معينــة وبصــورة متكــررة؛ إمعانًــا فــي النظافــة وإرغامًــا وجبــرًا لهــذه الي ـد الت ـي تأب ـت عل ـى الغسـل طواعي ـة. ومـن العجـب أيضًـا أن تحتفـل الإنسـانية كل عـام بالي ـوم العالمـي لغسـل اليدي ـن ال ـذي يصـادف الخامـس عشـر مـن أكتوب ـر مـن كل عـام، وتحـث في ـه الأمـم المتحـدة مليي ـن البشـر فـي العال ـم أجمـع عل ـى غسـل أياديهــم بالصابــون، فــي عصــر كاد الإنســان فيــه أن يصــل إلــى المريــخ! فــأي حمــى للنظافـة هـذه التـي اجتاحـت العالـم إلـى أن نفـدت المعقمـات والمطهـرات ومـواد التنظيـف والعنايـة الشـخصية، وأي محنـة هـذه التـي جعلـت مـن النظافـة فـي هـذا الزمـان منحـة! ثـم أن يفـزع النـاس إلـى العلـم فتلـك منحـة أخـرى مـن رحـم المحنـة، تراهم يهرعـون إلى العلمـاء والأطبـاء وتتعلـق عقولهـم وقلوبهـم وآمالهـم بمختبـرات الأدويـة ومعامـل البحــوث، فــا يكتفــون بالمعرفــة الســطحية حــول ذلــك الوبــاء، بــل تراهــم يطاولــون المتخصصيـن علمًـا ومعرفـة وإحاطـة بـكل جديـد حولـه، حتـى أن بعضهـم ليتيـه علـى الآخـر بمعرفـة الفروقـات الدقيقـة بيـن المصـل واللقـاح أحيانًـا والفروقـات الدقيقـة بيـن الفيروسـات والبكتيريـا أحيانًـا أخـرى؛ تيهًـا ينسـي النـاس وَلَعَهُـم بالتسـوق وحرصَهـم على الترفيــه ومتابعتَهــم الدوريــات الرياضيــة وحضورَهــم الحفــات الموســيقية، فينســلّون مــن حياتهــم هــذه إلــى متابعــة دقائــق قضيــة علميــة طبيــة بحتــة. فمَــنْ مِنْهــم دار بخَلَــدِهِ يومًــا أن يعــرف التركيــب البنيــوي لفيــروسكورونــا أو غشــاءه البروتينــي أو النتـوءات الشـوكية الموجـودة علـى سـطح الفيـروسوتمنحـه الشـكل التاجـي المميـز؟! لكنهــم اليــوم يعرفــون للعلمــاء قدرهــم وللأطبــاء وفــرق التمريــضمكانتهــم! ومــا ردهـم جميعًـا إل ـى منحـة احتـرام العلـم إلا محنـة شـيوع الوب ـاء. وفـي الخت ـام، سـتمضي محن ـة كورون ـا وتبقـى مِنَحُهـا حاضـرة فـي أذهـان الن ـاس وفـي مخيلتهـم، تذكرهـم ضـرورة العـودة إلـى قيـم احتـرام الأسـرة ورعايـة أفرادهـا، واحتـرام الأخـوة الإنسـانية ومراعـاة حقوقهـا، واحتـرام الأوقـات وشـغل النفـس بمـا هـو نافـع أثنـاء الفراغـات، واحتـرام النظافـة والحـرصعليهـا وإن انتفـى الوبـاء وذهـب الهـوس ب ـه والخـوف من ـه، واحت ـرام العل ـم والعلمـاء وتقدي ـر أدوارهـم فـي الحي ـاة، فدونهـم تتوقـف الحيـاة

140

Made with FlippingBook Online newsletter