تأملات في زمن الكورونا: كيف نحوّل التحدي إلى فرصة ير � قاسم قص كاتب سياسي لبناني
جـاء فيـروسكورونـا مفاجئًـا لنـا فـي التوقيـت والشـكل والانعكاسـات والتداعيـات العمليـة والفكريـة والمعيشـية، فـي بدايـة الأمـر كنـا نظـن أن المشـكلة بعيـدة عنـا وقـد تكـون محصـورة فـي الصيـن أو تمتـد إلـى دول أخـرى ليـس لنـا علقـة بهـا، كمـا كن ـا نظـن أن المشـكلة عادي ـة وسـيتم تجاوزهـا بسـرعة ول ـن تتأث ـر حياتن ـا الطبيعي ـة وسـنظل نتنقـل ونسـافر ونذهـب إلـى أعمالنـا واجتماعاتنـا بشـكل عـادي، ولـن تتغيـر عاداتنـا اليوميـة وزياراتنـا للأهـل والأصدقـاء، أو لـن نتوقـف عـن ممارسـة هواياتنـا خارج المنـزل مـن سـفر أو هـروب للجبـال أو الذهـاب للمقاهـي والمطاعـم. لكـن فجـأة وجدنـا أنفسـنا فـي سـجن خـاصفـي منزلنـا ونحـن نملـك المفاتيـح ونحدد أوقـات الدخـول والخـروج، وأصبـح الفيـروس يحاصرنـا فـي كل مـكان، وبـدأت تفـرض علين ـا ع ـادات وتقالي ـد جدي ـدة، وأقفل ـت المطاع ـم والمقاهـي والمسـاجد وتوقفـت الاجتماعــات واللقــاءات العامــة، وبــدأت الدائــرة تضيــق مــن حولنــا، ومنعنــا مــن مغـادرة أوطاننـا، وتوقفـت حركـة الطيـران إلا للطيـران الخـاص أو لعـودة المغتربيـن والطـاب المسـافرين للخـارج وفقًـا لضوابـط معينـة، وبـدأت عاداتنـا تتغيـر فـي السـام والمصافحــة وعــدم المشــاركة فــي التعــازي وعلــى صعيــد اللقــاءات مــع الأهــل والأحب ـة، وحت ـى امتنعن ـا عـن زي ـارة الأولاد والأحفـاد والأهـل. كي ـف نتصـرف؟ كي ـف نواجـه مـا يجـري حولن ـا وفـي العال ـم؟ وكي ـف نسـتوعب إل ـى أيـن تسـير الأمـور فـي ظـل الانتشـار العالمـي للمـرضوعـدم وجـود ضوابـط أو حـدود لانتشـاره؟ وفـي ظـل الأخبـار التـي بدأنـا الاسـتماع إليهـا عـن الحجـم الكبير فـي الإصابات وفـي عـدد المتوفيـن والتـي وصلـت إلـى مئـات الألـوف وحتـى إلـى أكثـر مـن مليونـي مصـاب فـي كافـة أنحـاء العال ـم، وحت ـى ال ـدول الكب ـرى ل ـم تكـن مهي ـأة لمواجهـة هـذه الكارثـة الإنسـانية الكبـرى. لـم يكـن أمامنـا سـوى التكيـف مـع مـا يجـري وإعـادة تنظيـم الحيـاة وفقـا للآليـات والضوابــط الجديــدة، أصبــح الخــروج مــن المنــزل لا يتــم إلا عنــد الضــرورة القصــوى
141
Made with FlippingBook Online newsletter