الكائن اللامرئي لانا حمزة كاتبة ومدونة ومترجمة للغة اليابانية
عندمــا زحــف ذلــك الكائــن اللمرئــي مــن أقصــى شــرق الأرض ليجتــاح العالــم كلــه ويفـرض نفسـه كواقـع جدي ـد لا مفـر من ـه، توحـدت جهـود البشـرية لتقـف ضـده، ووجدنـا أنفسـنا لأول مـرة نـرى عالمنـا وقـد أصبـح ذا قضيـة موحـدة يناضـل لأجلهـا الجميــع دون اختــاف فــي الآراء، وعــادت حيــاة الإنســان لتأخــذ مكانتهــا الطبيعيــة كأهــم الأولويــات... إن العالــم يدافــع بشراســة عــن حيــاة البشــر ضــد هــذا الكائــن نصــف الحــي وليتهــم دافعــوا قبــل ذلــك عــن حيــاة ســلبت مــن شــعوبٍ مقهــورة وجـدت أنفسـها تُطحـن فـي ضـروس الحـروب الضاريـة علـى مـر العصـور واسـتنجدت مـرارًا ومـا مـن مجيـب... ولكـن الشـبح الـذي لا يُـرى بالعيـن المجـردة صفـع الإنسـانية النائمـة فـي سـباتٍ عميـق ليوقظهـا مـن غفلتهـا للدفـاع عـن أهـم كائـن فـي هـذا الكـون، وهـو الإنسـان! ولأن المعركـة لا تـزال قائمـة، ولا تـزال مؤشـرات الانتصـار النهائـي للبشـرية غيـر مرئية علـى المنظـور القريـب، فمـا زلنـا نعيـش ذلـك المشـهد الغريـب علينـا جميعًـا، وكأننـا أصبحنـا فجـأة أبطـاً حقيقييـن لفيلـم مـن الخيـال العالمـي مـا ظننـا يومًا أننا سـنعيش تفاصيلــه فــي الواقــع! فــكل شــيء موجــود ولكــن غيــر متــاح! كل شــيء مغلــق ومحظـور والأماكـن خلـت إلا مـن الفيـروس الـذي ينتقـل بخفـة وسـهولة منقطعـة النظيـر ويتشـبث بـكل مـا يجـده حتـى أصبحـت كل الأشـياء مـن حولنـا مصـدر تهديـد فـا يمكنن ـا لمـس أي شـيء دون التفكي ـر بالعواقـب، وحت ـى الهـواء ال ـذي نتنفسـه بدأنـا نرتـاب منـه ولا نخـرج دون درع واق مـن غـدره المحتمـل! وعــادت الأمجــاد للبيــوت التــي طالمــا كانــت بالنســبة لمعظــم النــاس عبــارة عــن فنــادق فخمــة أو رديئــة أو متوســطة للمبيــت وقضــاء بعــد الوقــت المســتقطع مـن هنـا وهنـاك، فأصبـح المنـزل هـو القلعـة الحصينـة والملجـأ الوحيـد للإنسـان مـن عــدوه الشــفاف الســريع.
144
Made with FlippingBook Online newsletter