Together Apart-(A)

في زمن الوباء محسن الوكيلي كاتب حائزعلى عدد من الجوائز الثقافية

جالسًـا فــي مكتبــي، أمامــي كت ـب الآداب والمعاج ـم ومراجــع التاريــخ، عل ـى شاشـة اللبتــوب العريضــة قــرار وزارة التربيــة والتعليــم الــذي ينــص علــى إغــاق الجامعــات والمـدارسوالمكتبـات العامـة، ومـن حولـي عشـرات الطلبـة فـي مقاعدهـم يقرؤون تحـت موسـيقى هادئـة أنتقيهـا، علـى مـرّ السـنوات، بعنايـة وحـسّ، كـي تواتـي متعـة القـراءة وتشـجع المرتاديـن علـى الغـوص فـي عوال ـم الكتـب أعمـق. «كيـف يحـدث هـذا اليـوم؟»، تسـاءلت أُقلّـبُ الماضـي بالحاضـر. في الخـارج كانـت الريح تل ـوي رؤوس النخي ـل، والحـارس ال ـذي تقاعـد قب ـل أكث ـر مـن سـنة، يشـذب شـجيرات الحديقـة، مواصـاً عزلـة الصوفـي، غيـر معنـي بقـرار التقاعـد ولا بمـا يتهـدد العالـم مـن أخطار. عندمــا رنّ جــرس الخــروج ســألتني طالبــة تــدرس فــي صــف البكالوريــا إن كانــت مـدة الإغـاق سـتطول. ابتسـمتُ فـي وجههـا واسـتأذنتُ. عـدتُ إليهـا بعـد دقائ ـق بمجموع ـة م ـن الكت ـب الت ـي توات ـي اهتماماتهـا. كان ـت فرحتهـا بالكت ـب كبي ـرة. م ـا كنــت لأرخــص بإخراجهــا دفعــة واحــدة، ولشــخص واحــد، فــي الظــروف الاعتياديــة. وكانـت فرحتهـا مشـوبة بالخـوف. إيمـان، الطالبـة الحدقـة، تثـق فـي حـدس الكاتـب الــذي عرفــتْ فــي مكتبــة مدرســتها طيلــة ثلثــة أعــوام؛ ســتطول الأزمــة امتــداد قراءاتهــا للكتــب الكثيــرة التــي اســتعارت ولعلّهــا تزيــد. أغلقـتُ الحاسـوب، حمل ـتُ الحقيب ـة ث ـم أطفـأت الأضـواء فارتفـع، مـع خل ـو القاعـة مـن الطلبـة، صـوت الطيـور التـي علـى أغصـان الشـجر. راودنـي مجـددًا ذلـك الإحسـاس المبهـم، والمتكـرّر، أننـا، برغباتنـا وأنانيتنـا، نسـيء إلـى الأرض. فـي الطريـق، مـن الثانويـة إلـى البيـت، ماضيًـا علـى قدمـيّ، كان لـي الوقـت الكافـي لأسـتعيد أحداثًـا مـن روايـة «ريـح الشـركي» الصـادرة فـي بـاد الأرز قبـل بضـع سـنوات. شـعرتُ بريـح الوبـاء التـي عصفـت فـي عوالمهـا تقتحـم عالمـي. أربعـة قـرون تحولـت

147

Made with FlippingBook Online newsletter