إلــى هبــاء. الريــح نفسُــها عصفــتْ بأكثــر قــوة تدفعنــي إلــى دروب «فــاس البالــي» حيـث يواصـل بطـل الروايـة التـي لا تـزال قيـد الكتابـة صراعـه المحمـوم ضـد الجـوع، والمـرض، متسـلّحا بالكلمـات. بين روايتين، وجائحتين، وجدتني مهدّدًا، كالمليين، بوباء جديد. لــم يكــن هــذا حلمًــا هــذه المــرة، ولا جــزءًا مــن روايــة جديــدة أعدّهــا للنشــر. كان فصـاً م ـن حيات ـي وم ـن تاري ـخ الإنسـان. ثـمّ بـدا الأمـر انزلاقًـا مـن دروب الواقـع إلـى متاهـات نـصّ فـي طَـوْرِ التّشـكّل. «أيـن ينتهـي الواقـع وأيـن يبـدأ الخيـال عزيـزي؟»، وجدتنـي أسـأل نفسـي أنـا الـذي اعتقـدت، كمعظـم النـاس، أنّ العلـم حصّننـا مـن المِحـلّ وجوائـح الماضـي إلـى الأبـد. مـا كنـت أحسـب أنّ الوقائِـعَ التـي قـرأتُ عنهـا بإسـهاب، وكتبـت عنهـا بشـغف، سـتكون جـزءًا مـن حياتـي. هكـذا سـيكون للأجيـال التـي تأتـي أن تقـرأ عنـا، وتعيـد، مـن خـال المصـادر، مخيلتهـا، وقائعنـا، تمامًـا كمـا قرأنـا نحـن عـن الأجيـال التـي سـبقت. كان في الأمر شيء من المساواة وكثير من الإذلال لعنجهية الإنسان الحديث. فـي البيـت كان أبنائـي فرحيـن. توقّـفُ الدّراسـة يـومُ عيـدٍ. عانقنـي ابنـي ذو السـنوات الخمــس، قبّلنــي. طفلــي الآخــر كان يقابــل الشاشــة وفــي يــده «الريمــوت»، بينمــا انشـغل عنـه أخـوه برقائـق الشـبيس. عندمـا نظـرتُ إلـى عينـي زوجتـي رأيـت الكثيـر مـن المخـاوف. كانـت أخبـار المـوت المتواتـرة مـن أوروبـا، والتـي تزحـف بثبـات، مـن الشـرق والغـرب، تعـد بالمجهـول. وضعــت صغيــري «تميــم» فهــرول نحــو أخويــه يصــرخ: «كورونــا» رافعًــا يديــه كمشــجّعي مضاميــر ســباق الخيــل. كان لكوفيــد الفضــل فــي عطلــة اســتثنائية، مفتوحــة، أعفتهــم مــن رتابــة الفصــول وقســوة المعلميــن، وغبــاء الواجبــات. بعيـدًا عـن الأطفـال حدثتنـي زوجتـي عـن حمّـى التّسـوّق، والأُسَـرِ التـي تسـارع لتدّخـر السّـلع، وعـن الهلـع الـذي استشـرى بيـن النـاسكالنّـار فـي الهشـيم. ـ إنه الخوف من الموت. علّقتُ بإيجاز. ـ الخوف من الموت.
148
Made with FlippingBook Online newsletter