Together Apart-(A)

ردّدت مريـمُ وهـي تنظـر مـن فجـوة البـاب المـوارب إلـى نحـو أطفالهـا المحتفليـن. فرحتهــم آلمتْهــا. كانــت قــد اقتنــت بدورهــا الكثيــر مــن السّــلع مخافــة شــحّ أو انقطـاع فـي التّمويـن. بغتـة صـارت كل الاحتمـالات ممكنـة وبـات البـاب مشـرعًا علـى المجهــول. مـرّت أي ـام الحجـر الأول ـى بطيئ ـة، رفعن ـا الموان ـع عـن الألعـاب الإلكتروني ـة وسـمحنا لأطفالن ـا بقضـاء أوق ـات أطـول مــع «البليستيشـن» مكرهي ـن. حاول ـتْ زوجت ـي، م ـن جهتهــا، أن تعــود لهواياتهــا القديمــة؛ أن تجــرّب خلطــات مبتكــرة لصنــع الحلويــات. حدثتن ـي، بعـد انقطـاع دام سـنوات، عـن رغبتهـا، فـي اسـتئناف الطّري ـق إل ـى حلمهـا القديـم؛ أن تكـون «شـيف» محترفًـا واسـتثنائيّا فـي عالـم الطّبـخ. أنـا كنـت علـى الطريق الت ـي ابت ـدأتُ من ـذ سـنوات بعي ـدة؛ أكت ـب باسـتمرار، إنمـا مـع خل ـل ل ـم يسـبق ل ـي أن جرّبتُـه مـن قبـل. مـع توالـي الأسـابيع فقـدَتْ دورةُ الزّمـن انتظامهـا الاعتيـادي، كنـت أسـتفيق فـي أي وقـت، آكل، أمـارس حصصًـا سـريعة مـن الرياضـة، وإن بعـد منتصـف اللي ـل، أسـتمع للموسـيقى، أشـرب القهـوة، وأكتـب، أكتـب بـا قيـد، أكتـب عابـرًا فـوق الحـدود... ثمّ بدا أنّ الحجر هو ما كانت الكتابة في حاجة إليه. أمكنن ـي أن أق ـف فج ـرًا عل ـى روع ـة ب ـزوغ الشـمس ف ـوق أسـطح البي ـوت، وأتاب ـع، كمـا ل ـم أفعـل مـن قب ـل، مي ـادًا جدي ـدًا لمدين ـة تنشـق مـن عـدم. انتبهـت لأشـجار الصفصـاف الطويلـة التـي تتوالـى فـي حدائـق البيـوت، لمئذنـة المسـجد التـي لـم تثـر انتباهـي مـن قب ـل، وللجب ـال الت ـي تطـل عل ـى المدين ـة مـن بعي ـد. كنـت كأنّمـا أكتشـف الحـيّ الـذي عشـتُ فيـه والمدينـة التـي قضيـت فيـه أزيـد مـن عقد ين. كان لـي أن ألاحـظ، مـن شـرفة البيـت، أنّ أصـوات الطيـور تـزداد كثافـة، يومًـا بعـد يـوم، وأنّ الأرض تـزداد اخضـرارًا، وأن الهـواء يصيـر أنقـى. هكــذا راودنــي، مجــددًا، ذلــك الإحســاس المبهــم والمتكــرّر، أننــا، برغباتنــا وأنانيتنــا، نســيء إلــى الأرض. فــي غرفــة مكتبــي كان لــي أن أواصــل اللّعبــة التــي كنــت قــد بــدأت؛ أن أعيــش حَجْـرًا ثانيًـا، فـي مدينـة فـاس، حيـث يعيـش بطـل الروايـة «حمّـاد الناجـي» صراعًـا مريـرًا مـع الوبـاء. عشـت معـه المخـاوف والصـراع لأجـل البقـاء، كمـا لـم أفعـل مـن قبـل،

149

Made with FlippingBook Online newsletter