Together Apart-(A)

بي في زمن (كورونا) � كتا د. أحمد عبد الملك أكاديمي وروائي قطري

يُنادينـي الكتابُ...«أَقْبـلْ... لـن تجـد صديقًـا مثلـي! فأنـا أَوً ناطـقٌ صامـت! وأنـا ناصـح ب ـا من ّـة! وأن ـا صدي ـقٌ لي ـس ثقي ـلَ ال ـدم أو ثقي ـلَ ال ـوزن». أُصغ ـي ل ـه، وأَن ـا يحتوين ـي صَمتــي، وتُحاصِرُنــي النظــراتُ البائســةُ. كُلّ مَــن حولــي صامتــونَ مُتوجســون: «ثــم مـاذا؟!» سـؤالٌ يحفـرُ وَجهـي، كمـا يحفـرُ قلوبَهـم. مـاذا بعـد (كورون ـا)؟! مــا هــذا المــرض الــذي قلــبَ موازيــنَ الكــون؟! ومــا هــذا الحــدث الــذي كُنــا عنــه غافليــن؟! فضائيــاتٌ تبــثّ الرعــبَ والخــوفَ فــي أَنحــاء المــكان، وجرائــدُ ماتــت علــى أَجفـانِ الطريـق! وأنـا الـذي داومـتُ خمسـين عامًـا علـى الجلـوس مـع الجريـدة، وهـي تشـاركني قهـوةَ الصبـاح، وتمسـحُ عنّـي كآبـةَ عصـرٍ يـكادُ يختلـي بـي، ويمـارسُ علـي «شــهوة» الابتــاء. يُحرّضنـي كتابـي علـى أَنْ أَلتصـقَ بـه أَكثـر، وكأَنـهُ عاشـقةٌ عـادتْ بعـد فـراقٍ طويـل!، وكأَن ـه بح ـرٌ لُج ّـيّ يَغرّن ـي بمزي ـدٍ م ـن اللؤل ـؤ والمحــار. متعلق ـونَ بهواتفهـم النقّال ـة، ينتقلـونَ مـن موقـع إلـى آخـر، بحثًـا عـن جديـد مـن الضحايـا، أو شـوقًا إلـى مصـلٍ يحصـر انتشــارَ الفيــروس، وينقــذُ البشــريةَ مِمــا عَلــقَ بهــا. الخــوفُ يَحتــلّ المــكانَ، وأَنــا فــي صومعتـي، أَلمـسُ أطـراف كتابـي، كمـا يلمـسُ العاشـقُ خـدّ العشـيقة، وكمـا يـرأف النســيمُ بأطــرافِ الأَزهــار. أَجلــسُ مُتحليًــا بصبــري، وإصــراري علــى أَنّ الظــرفَ مؤقــت، والحجـرَ مؤقـت، والصـومَ عـن ال ـكلم مؤقـت. أَحيان ًـا، ينفـدُ صب ـري، وأَضـربُ الكت ـاب عل ـى خـدّه الأَيمـن، وأَراهُ يُعطين ـي خـدّهُ الأَيسـر! ي ـا لب ـراءةِ هـذا الصدي ـق! وي ـا لوفائ ـه المُفــرَط، ويــا لمحدوديــة هــذا المــكان الــذي لا يســمحُ لــي إِّ بعشــرينَ خطــوةٍ إلــى الأَمـام وعشـرينَ أخـرى إل ـى الخل ـف. فـي مكتبتـي، أَشـعرُ بوحـدةٍ قاتلـة! فلقـد انفـرطَ عِقـدُ الجلسـات التـي تحفـلُ بالنـكات والابتسـامات والتعليقـات، ومـاتَ البحـرُ فـي عينـيّ، ورحـلَ موسـمُ التأمّـلِ، كمـا رحلـت تلـك المسـاءاتُ التـي تُعطينـا اللـوزَ والمشـمش وشـقائق النعمـان.

167

Made with FlippingBook Online newsletter