Together Apart-(A)

فــي مكتبتــي، أَجــولُ العالــمَ، أُفتــشُ عــن جديــد، والكتــاب يئــنّ فــي يــدي، وكأنــه يشـعرُ بأَننـي قـد سـئمتُ منـه، وأُريـدُ تبديلَـهُ بآخـر. هكـذا كان حديثـي مـع كتابـي! مَـن قـال: «إن الكت ـابَ جمـادٌ لا يشـعُر؟»، ومـن صحّـتْ مقولت ُـه: «أَن ـتَ تُضي ّـع وقت َـكَ فـي القــراءة!». كنــتُ أتحاشــى النظــراتِ البلهــاء، ولغــةَ الجســدِ الإنكاريــة، وأَضغــطُ علــى وجـه الكت ـاب، مح ـاوً اسـترضاءه بعـد تل ـك الضرب ـةِ القاسـية. كُلّ بلـدان العالـم فيهـا اسـتنفاراتٌ وحمـاتٌ وتنبيهـات. بشـرٌ تقطّعَـت بهـم السّـبل، وآخـرون لا يجـدون ملجـأ. وآخـرون -مـن المُنعّميـن- يفكّـرون فـي الانتحـار! هكـذا هـي قي ـمُ الاسـتهلكية! هـذا الجي ـل ل ـم يُعـانِ مـا عان ـاهُ الآب ـاءُ والأجـداد. ولقـد نشـأَ هـذا الجي ـل عل ـى النّعمـةِ المُفرطـة، ووَج ـدَ كُلّ شـيءٍ جاهـزًا أمامـه. فحت ّـى كأَس المـاء لا يتَجشّـمُ أحدُهـم عنـاءَ إِحضـاره مـن الثلجـة، بـل يأمُـرُ الخادمـة أن تأتيـه بـه! فكيـف يواجـهُ هـذا الجيـلُ (كورونـا)؟ وكيـف نُلـزمُ مَـن تعـوّدَ أَنْ يسـتعرضَ بسـيارته الفارهـة أمـام النـاس؟ وكيـف نحرمـهُ مـن التجـوال فـي المحـال التجاريـة بحثًـا عـن هـدفٍ واضـح فـي عقلـه؟ بـل كيـف نجعلـهُ يتصالـحُ مـع نفسـه، ويجلـسُ فـي البيـت كـي يقـرأ؛ ولـو كانــت تلــك القــراءة للمتحــان. وبمناســبة الحديــث عــن الامتحــان، فلقــد شــعرتُ بــأن العصبيـةَ قـد ازدادت مـع (كورونـا) بيـن الطالبـات! الأَمـر الـذي جَعلنـي أُفكّـر: «لمـاذا تدن ّـتْ درجـاتُ الطالبـات هـذا الموسـم، وهُـن قابعـاتٌ فـي البيـوت؟!». ويهجـمُ عل ـي السـؤالُ الآخـر: «هـل جلوسُـهنّ ذو فائ ـدة، أم أن ـهُ جل ـوسٌ قسْـريّ حتّمـهُ الموقـف! مــاذا تفعــل أولئــك الطالبــاتُ فــي البيــوت! الدرجــات التــي لــديّ تقــول: إن أغلبهــنّ لا يـدرس! وقـد يتخـذ أيـةَ وسـيلة للتسـلية، مـا عـدا القـراءة!». أَراهــا وقــد حَشــرَتْ كُلّ غضــب العالــم علــى وجههــا! أَبتســمُ فــي وجهِهــا، تُشــيح بوجهِهــا إلــى الجهــة الأخــرى، كأنهــا تقــول: «دعنــي لحالــي... أنــا غيــر مســتعدة حتــى لأُبادلـكَ ابتسـامة!». لقـد مضـى عليهـا أُسـبوعان لـم تخـرج عنـد بـاب المنـزل، ولـم تركـب سـيارتَها الفارهـة، ولـم تذهـب إلـى (صالـون التجميـل)، ولـم تعمـل (بـودي كيـر)، ولـم تصبـغ شـعرَها، ولـم تتنـاول إفطارَهـا فـي الفنـدق الضخـم، ولـم تتمشـى فـي (المـول) الكبيـر، ولـم تقابـل فلنـة أَو عَلّنـة! لـذا، فهـي تقتـاتُ العصبيـة، وتشـربُ عصيـرَ الغضَب. أراهُ صامت ًـا، كون ـهُ ل ـم يُن ـشّ (الغت ـرة)، ول ـم يركـب سـيارته الفارهـةَ، ول ـم يُشـارك فـي شُـربِ (شـاي الكـرك) مـع الشـلّة، ولـم يتَغرغـر بضحكتـهِ المُجلجلـة، ولـم يُرسـل نظـرات إعجـابٍ وشـوق إل ـى فت ـاة سـامقةٍ فـي (المـول)! يُرسـلُ رسـائلَ غي ـرَ لفظي ـةٍ، يقـول: «اتركونـي لوحـدي، لا أُريـد نقاشًـا، ولا نصيحـةً ولا حتـى سـؤاً عـن صحتـي».

168

Made with FlippingBook Online newsletter