Together Apart-(A)

رمضان وأطفالي في عصر الكورونا رانيا هلال يوسف � كاتبة وصحفية بجريدة روزال

فـي مثـل هـذا الوقـت مـن كل عـام، أذهـب إلـى منطقـة الغوريـة وشـارع الخياميـة بمنطقـة الحسـين، لكـن ظـروف الحظـر الصحـي هـذا العـام حالـت دون تحقيـق ذلـك، كـم هـو محـزن أن تفقـد خططـك للبهجـة السـنوية بوصلتهـا فـي اللحظـة الأخيـرة! فــي كل مــرة أذهــب فيهــا إلــى الحســين أختلــق عــذرًا جديــدًا؛ ينقصنــي قمــاش خياميــة، أو أريــد زينــة إضافيــة، أو حتــى لاختيــار فانــوس معدنــي أو خشــبي هديــة لأحـد الأحب ـاء. تواجـدي السـنوي هن ـاك يمنحن ـي مؤون ـة للعـام كل ـه، دفعـة للكتاب ـة الأدبيـة أحـرص عليهـا، وفرصـة للكتابـة الصحفيـة حيـث عملـي ولقـاءات مـع البائعيـن والبهجــة والجمــال والألــوان. فــي الحقيقــة أنــي أحــاول اســتعادة بهجــة بهتــت ملمحهــا عبــر الســنين بفعــل الحداثـة، أتذكـر أن رمضـان قديمًـا كان يأتـي فـي الشـتاء، أسـتطيع شـم رائحـة المطـر وقــت الإفطــار وبعدهــا صــوت الســائرين فــي الشــوارع مختلطًــا بصــوت موقــد نــار «عـم سـعيد» صاحـب محـل الفـول الـذي كان يقابلـه محـل «عـم بشـرى» صاحـب محـل الفــول أيضًــا، بمناضدهمــا التــي كانــت تســتطيل أمــام المحــل، ناصبيــن عليهــا كل مـا ل ـذ وطـاب مـن أطاي ـب السـحور والمخل ـات حي ـث مخل ـل الخي ـار والليمـون والجـزر واللفـت بجان ـب أن ـواع البطاطـس الت ـي لا تنتهـي، وق ِـدْرَة الف ـول المتج ـددة كل رب ـع سـاعة عل ـى الأكث ـر. كان يل ـذ ل ـي أن أنظـر م ـن شـرفتي م ـن بع ـد العاشـرة وحت ـى الثاني ـة عشـرة أرق ـب المشــهد بــكل حواســي، لــم أكــن أعــرف أنهــا متعــة زائلــة لــن يبقــى منهــا ســوى ذكـرى بعيـدة مشوشـة وباهتـة الألـوان. الآن وبسـبب الظـروف، لـو نظـرت مـن بعـد السادسـة فلـن تجـد سـوى ظـام دامـس، فـا ضحـكات أطفـال يتبـارون علـى الكـر، ولا سـائرين يتسـوقون م ـن أج ـل وجب ـة السـحور. الآن أشـفقُ علـى أطفالـي كيـف سـيختزنون ذاكـرة كتلـك، خاصـة طفلـي الكبيـر ذا

32

Made with FlippingBook Online newsletter