Together Apart-(A)

السـنوات التسـع، فهـذا أول رمضـان يقـرر الصيـام فيـه، أعـرف أن لهـم زمنًـا غيـر الزمن، ولكـن يعـز علـيّ أن أتـذوق طعامًـا دونهـم، فمـا بالـك بمتعـة أراهـا نعمـة بوقتهـا. شـغلني السـؤال كثيـرًا فقـررت مـن قبـل أن أتـزوج أن أهتـم بتكويـن ذكريـات لهـم، فحرصــت علــى الاحتفــال بــكل الأعيــاد؛ الكريســماس، ورمضــان، والعيديــن، وشــم النســيم... وغيرهــا. هـذا العـام وقعـت فـي حيـرة، فقـد كنـت أحـرص منـذ أن جـاء أطفالـي للدنيـا علـى اصطحابهـم معـي للخياميـة والحسـين، واختيـار الفانـوس والمفـارش الأشـياء والزينـة معًـا، فمـا العمـل الآن؟ أول أمـس أخرجـت زين ـة رمضـان مـن مرقدهـا السـنوي وأعلن ـت أنن ـا بصـدد تعلي ـق الزينــة لهــذا الع ـام وأضف ـت «ســوف أصن ـع هــذا الع ـام عربــة الكنافــة والقطايــف» فبادرن ـي صغي ـري، مـاذا تقصدي ـن؟ شـرحت ل ـه مـا همـا وكي ـف كن ـا نراهمـا ونلت ـف حولهمـا حت ـى نأخـذ طلباتن ـا قب ـل الإفطــار، منتظريــن رائحــة الكنافــة تخــرج مــن الفــرن لتصــب أمــي عليهــا الشــربات، وكذلــك القطايــف المحشــوة بالمكســرات بعــد أن تخــرج مــن الزيــت. نظـر لـي زوجـي نظـرة ماكـرة وقـال: هـم لا يأبهـون لمـا تقوليـن فلمـاذا إذن تحرصين عل ـى هـذه المشـقة كل عـام؟ قل ـت: أري ـد أن أبهجهـم وأعرفهـم عل ـى مـاضٍ ول ّـى ولـن يجـيء. فـرد بنفـس النظـرة: أنـتِ تقوميـن بهـذا لأجلـك لا لأجلهـم. حدقـت لـه وسـكتّ للحظـات، وقلـت فـي نفسـي: ربمـا يكـون كلمـه صحيحًـا، نعـم هـو بالفعـل صحي ـح، ومـا العي ـب إذن، وربمـا بالفعـل سـوف يتذكـرون مـا أقـوم ب ـه يومًـا مـا ويبتسـمون. أتسـاءل مـا شـكل الذكـرى التـي سـيتركها هـذا الوقـت فـي ذاكـرة أطفالـي؟ كيـف سـيتذكرون ذلـك «الرمضـان» الـذي جـاء في «عصـر الكورونـا» كما يسـميه آدم طفلي الكبيــر. حيــث لا خــروج ولا عزومــات ولا رحلــة شــارع الغوريــة والخياميــة ولا فانوسًــا جديـدًا لهمـا ولا جـدو ولا تيتـة ولا الخـال ولا العـم، فقـط الكمامـات والكحـول ورائحـة الكلـور والتعقيـم المسـتمر يسـيطرون علـى المشـهد. علـى كل حـال، هـا أنـا قـد لونـت البيـض وأكلنـا الرنجـة وغـدًا سـأصنع عربـة الفـول والقطايـف والكنافـة ومدفـع الإفطـار والمصليـة، نعـم أنـا الطفلـة التـي تلهـو وتلون وترقـصفرحًـا عندمـا تعـرف أن التـوت قـد آن موسـمه غيـر عابئـة بحظـر أو غيـره.

33

Made with FlippingBook Online newsletter