هجرجميل ين الواعر � ين العابد � رحمة ز ين � عضو الملتقى القطري للمؤلف
لـم أكـن يومًـا أظـن أنـي قـادرة علـى العيـش بعيـدًا عـن الزحـام، بعيـدًا عـن ضجيـج الشــاحنات وأصــوات الأطفــال وهــم يلعبــون فــي شــوارع الحــي بيــن ضحــك وصــراخ وشـجار فـي بعـض الأحي ـان. لطالمــا كنــت تلــك الفتــاة التــي تهــوى الاجتمــاع مــع فتيــات الحــي داخــل الزقــاق والجلـوسعلـى الرصيـف لتقاسـم علبـة الفشـار وتجـاذب أطـراف الحديـث مـع صديقاتي بيـن هـزل وجـد، بيـن مواضيـع عـن السياسـة والاقتصـاد وأوضـاع البـاد، وحديـث عـن خطبـة ابنـة الجـار بعـد قصـة حـب طـال أمدهـا وجلدتهـا بسـببها سـياط الألسـن، كنـا فـي بعـض الأحيـان نمضـي السـاعات الطـوال علـى عتبـة منـزل جارن ـا سـعيد لنمسـح دمــوع شــابة خانهــا حبيبهــا، ونبــارك لأخــرى اســتقبال مولودهــا الجديــد، ونســاعد أطفـال الحـي فـي حـل الواجـب المدرسـي، وكنـا نسـأل عـن حـال كبـار السـن وخاصـة الخالـة خديجـة التـي ضحـت بسـنوات شـبابها لتربـي ابنهـا الوحيـد بعـد أن توفـي زوجهـا ورفضـت الـزواج مـن أجلـه، لكـن مـا إن اشـتد عـوده حتـى سـافر وبخـل عليهـا بزيـارة أو سـؤال وتركهـا فريسـة لسـاعات الوحـدة واكتفـى بمهاتفتهـا مـرة واحـدة في السـنة يـوم العيـد، وكان أفضـل وقـت فـي يومـي السـاعة الخامسـة مسـاء وقـت عـودة ابن الجيـران الظريـف مـن العمـل، كنـت أتـرك المجلـس وأحاديثـه المشـوقة وأتعلـل بـأي شـيء لكـي أمـر مـن أمـام بيتـه ولا تفوتنـي تلـك الثوان ـي الحاسـمة فـي يومـي، تلـك الثوان ـي الت ـي تلتق ـي فيهـا نظراتن ـا وتتسـارع دقـات قلوبن ـا وترتج ـف فيهـا ابتسـاماتنا الخاطفــة، مــن ثــم أعــود إلــى مجلــس الأنــس، حيــث يهجرنــا الضجــر ولا نشــعر بجــوع أو عطــش، لكــن مــا إن تمــر إحــدى صديقاتنــا حاملــة علبــة بســكويت حتــى ننقــض عليهــا لنتخطفهــا ونتقاســمها دون إذن أو طلــب وكأن قانــون الجيــرة منحنــا حــق الاقتسـام، فـا نجـد مـن صاحبـة البسـكويت غيـر الاستسـام بعـد قليـل مـن المقاومة لتحصـل علـى نصيبهـا وابتسـامتها تعبـر عـن رضاهـا بمصيـر بسـكويتها، لـم تكـن علبـة البســكويت التــي تمــر دون طلــب فــي معظــم الأحيــان تكفــي للحشــد الغفيــر مــن
38
Made with FlippingBook Online newsletter