فــي البلــدان انتشــار النــار فــي الهشــيم، وقفنــا كلنــا كالصنــم وخيــم الصمــت ولــم يبـق فـي المنـزل غيـر صـوت المذيـع فـي التلفـاز وهـو يتحـدث عـن الفيـروس بصـوت مختنـق ومرتعـشيصفـه بالمـرض الجديـد الـذي لا لقـاح لـه، أعراضـه مشـابهة لأعـراض الإنفلونـزا لكنـه يفتـك بالحنجـرة ثـم يهتـك الرئتيـن ويسـبب صعوبـة فـي التنفـس قـد ت ـؤدي إل ـى المـوت، وب ـدأ المذي ـع يتح ـدث ع ـن نسـب الإصاب ـة والبل ـدان الأكث ـر تضـررًا مـن حي ـث نسـب المصابي ـن وأعـداد المتوفي ـن، ومـا إن ذكـر الصحفـي تضـرر إيطالي ـا مـن هـذه الجائحـة حتـى تبادلنـا النظـرات بيننـا، ولاحظـت صمـت أمـي واعتلـت وجههـا تلـك النظـرة التـي أعرفهـا جيـدًا، النظـرة نفسـها التـي أراهـا عندمـا تشـكك فـي شـيء وتب ـدأ برب ـط الأحـداث بسـرعة الب ـرق مث ـل كمبيوت ـر خـارق، تل ـك النظـرة الت ـي تكشـف حـدة ذكائهـا وتجعـل الجميـع يسـتمع إلـى تحليلتهـا السياسـية ويثـق فـي تفسـيرها لـكل مـا يـدور مـن حولهـا مـن أحـداث سـواء علـى مسـتوى الحـي أو حتـى فـي الأمـور السياسـية والاقتصاديـة فـي البـاد. ثـم بـدأت بالـكلم بطريقـة سـريعة ودون انقطـاع وبأفـكار غيـر مرتبـة حتـى شـعرت أنهـا لا تـكاد تتنفـس «أتـراه مـراد ابـن الخالـة خديجـة مصابًـا بهـذا المـرض، مـا الـذي سـيحدث لأبنـاء الحـي الذيـن زاروه، وكيـف يمكـن للخالـة خديجــة أن تتحمــل هــذا المــرض وهــي التــي لا تقــوى علــى الســير إلا معتمــدة علــى عكازهـا، مـاذا إن انتشـر هـذا المـرضهـل سـنقدر علـى مواجهتـه»، ثـم رشـقتنا بوابـل مـن الأسـئلة وهـي تجـول بعينيهـا بيننـا، مـع مـن جلسـتم اليـوم؟ هـل قابلتـم مـرادًا؟ م ـن م ـن أهال ـي الح ـي ذهـب لزيارت ـه؟ هـل غسـلتم أيديكـم جي ـدًا عندم ـا عدت ـم إل ـى المن ـزل؟ ث ـم صمت ـت لبرهـة، وقال ـت: اذهب ـوا بسـرعة فاغسـلوا أيديكـم ووجوهكـم وابحثـوا عـن معقـم الأيـدي. ثـم أمسـكت بالهاتـف وأخـذت تبحـث عـن أعـراض المـرض وأسـاليب الوقايـة منـه. فـي خضـم كل هـذه الأحـداث لـم يكـن يشـغل بـال أبـي سـوى العشـاء الـذي تأخـر ولـم يجهـز لحـد السـاعة بسـبب انشـغالنا بمشـاهدة الأخبـار والإجابـة عـن أسـئلة أمـي. فـي اليـوم الموالـي كانـت أخبـار الفيـروس المجهـول قـد انتشـرت فـي الحـي بـل وفـي البلـد كلـه وكان حديـث الشـارع، وبـدأ النـاس يتسـاءلون ويحللـون بيـن ناكـر معتقـد أنهــا مجــرد شــائعات وبيــن خائــف أوصــد أبــواب منزلــه ومنــع أطفالــه مــن الخــروج للشـارع حتـى أن بعضهـم بـدأ ينشـر الشـائعات عـن أن هـذا المـرضقـد ينتقـل بالهـواء وبـدأ بعـضمدعـي الثقافـة بالحديـث عـن نظريـة المؤامـرة وعـن نشـر هـذه الفيروس فـي إطـار حـرب بيـن القـوى العالميـة الكبـرى لزعزعـة اقتصـادات دول بعينهـا وتغييـر
40
Made with FlippingBook Online newsletter