Together Apart-(A)

الزمــن قــد التهمــه، وأن التاريــخ رجــع القهقــرى يمشــي بالاتجــاه المعاكــس، فــكل شـيء فـي السـوق يعـود بـك إلـى أصال ـة الأجـداد، وطعـم الملـح، وروعـة الكفـاح... لكـن هـل هـذا هـو مـا دفـع لول ـوة للذهـاب المتكـرر إل ـى سـوق واقـف الوكـرة؟ لا، كانـت تشـعر أنّ ثَمـةَ شـيئًا هنـاك يشـدّها إلـى ذلـك المـكان، إن حنيـن الذاكـرة مـن أشـدّ أنـواع الحنيـن، ذلـك الحنيـن الـذي يفتـكُ بالقلـب كلّ حيـن. لـكالله أيتهـا الأيّـام الخوالـي؛ لقـد عشـت فيـكِ أسـعد لحظـات قـد يعيشـها الإنسـان، فبالأمـسكنـتطفلـةً تمـارس لعبهـا البـريء، وتراقـصدُماهـا التـي تعتنـي بهـا عناية الأم الــرؤوم بأطفالهــا، بالأمــسكنــت فــي مدرســتي الابتدائيــة، وآه مــن مدرســتي الابتدائيــة، تلــك التــي أجــرت فــي قلبــي أنهــارًا مــن العواطــف والذكريــات التــي لــم ينضـب معينهـا حتـى هـذه اللحظـة، اليـوم وقـد أصحبـت أمّـا، ومـا زلـت أحتفـظ بهـذه الذكريـات بـكل شـوق. هنـا تقدمـت لولـوة نحـو الشـاطئ، وامتـدت عيناهـا بالنظـر نحو الأفـق البعيـد مراقبة المـوج الهـادئ، والشـمس التـي غسـلت عينيهـا وبـدأت ترسـل أشـعتها الصفـراء نحـو الأفـق، وبـدأت النـوارس تلعـب فـي الفضـاء الرحـب، ترقـصفرحـة بهـذا اليـوم الجديـد الـذي منحتـه الحيـاة لنـا. تقدمـت لولـوة نحـو الأمـواج التـي كانـت رقيقـة كأنهـا كـف أمّ حاني ـة، هن ـا غمسـت لول ـوة قدميهـا بمـاء البحـر جالسـة عل ـى حافت ـه، سـرت فـي جســدها قشــعريرة تبعــث علــى الرغبــة بالتمــدد والارتمــاء بأحضــان هــذا الشــاطئ الممتـد علـى طـول سـوق واقـف. نظـرت لول ـوة يمن ـة ويسـرة فل ـم تجـد إنسـانًا عل ـى مـدّ نظرهـا، فاسـتغربت مـن أن هنـاك أناسًـا ينامـون فـي بيوتهـم تاركيـن كل هـذا الجمـال فـي هـذا الصبـاح الصـارخ بــكل أشــكال الحــب الجميــل، لكــنْ للنــاس فيمــا يعشــقون مذاهــب، ولــكل نفْــس طريقتهـا فـي الاسـتمتاع بالحيـاة، ومـن حسـن حظهـا أن سـعادتها كانـت فـي هـذه الطبيعـة التـي تجـود ب ـكل مفاتنهـا فـي هـذه الأي ـام مـن السـنة. كان المـوج يداعـب قدميهـا، ويلمـس عباءتهـا السـوداء، وكان الرمـل يت ـردد مـع المـوج ذهابًـا وإيابًـا، عـادت إلـى نفسـها ذكريـات الطفولـة التـي تأبـى أن تغادرهـا، لكـن مـن بيـن تلـك الذكري ـات كلهـا ل ـم تنفـك ذكراهـا مـع حصـة تسـيطر علـى المسـاحة الأكبـر مـن الذكريـات، فهـي تعيـش الذكـرى كأنهـا تقـع الآن، فهـي تـرى الآن صديقتها حصـة، وقـد جلسـت فـي المقاعـد الأخيـرة مـن الصـف، كانـت تذكـر كيـفكانـا يكتبـان

46

Made with FlippingBook Online newsletter