Together Apart-(A)

ولكننـي اليـوم أودع حيـاة الشـهرة كأي إنسـان عـادي فلـم يغـن عنـي مالـي مـن هـذا المـرضشـيئًا ول ـم يدفـع عنـي جمهـوري مـا أعانيـه مـن أل ـم، ب ـل إن أحدهـم لا يجـرؤ علـى الاقتـراب منـي حتـى ولا مصافحتـي، وأنـا الآن أدفـع ثمـن سـوء تقديـري فقـد كان جـل همـي فـي هـذه الحيـاة أن أكـون مشـهورًا بيـن أهـل الأرض، ولـم أسـع يومًـا لأن أكــون مشــهورًا بيــن أهــل الســماء، لهثــت وراء تجميــع الكــؤوس والميداليــات التــي سـأخلفها وراء ظهـري، ولـم أجعـل لـي رصيـدًا مـن العمـل الصالـح الـذي ألقـى بـه ربـي». ومــع تزايــد أعــداد المصابيــن وارتفــاع نســبة الوفيــات بيــن رمــوز هــذه المدينــة ودعائمهـا الأساسـية التـي تقـوم عليهـا وعجـز الطواقـم الطبيـة والمستشـفيات عـن مجـاراة هـذه الزيـادة المطـردة فـي الأعـداد، دعـت الحاجـة إلـى عـزل المدينـة بأكملهـا عـن المـدن المحيطـة بهـا فـا يدخلهـا أحـد ولا يخـرج منهـا أحـد بـرّا وجـوّا وبحـرًا، عـاوة عل ـى ف ـرض الحج ـر المنزل ـي عل ـى كل ف ـرد في ـه. وبالنسـبة للمـدن الأخ ـرى المحيطـة بهـذه المدينـة المصابـة، فقـد توهمـت تلـك المـدن أنهـا بمنـأى عـن ذلـك الوبـاء وأنـه ماركـة حصري ـة مسـجلة بهـا دون غيرهـا، وفـي لحظـة وغفل ـة غـاب عـن خواطرهـا انتق ـال كثي ـر م ـن أف ـراد المدينــة المصابــة إليهـا سـياحة وعمـاً وترفيهًــا، متناسـية العلقــات والمصالــح المشــتركة التــي كانــت تربــط هــذه المدينــة العملقــة بباقــي المـدن فهـي بمثابـة شـريان الحيـاة الـذي يضـح ال ـدم لسـائر أعضائـه. وجـرت الريـاح بمـا لا تشـتهي السـفن فهـا هـي المـدن تسـقط الواحـدة تلـو الأخـرى فريسـة ينتهشـها ذلـك العـدو الغامـض، وكأنـه خليـة سـرطانية تمتـد أذرعـه ليلتـف حـول الجميـع بـا رحمـة ولا شـفقة وبـا تمييـز بيـن صغيـر وكبيـر، أو غنـي وفقـر، أو مجـرم وشـريف، أو مريـضوطبيـب، فقـد بـدأت تظهـر الإصابـات فـي كثيـر منهـا، وقـد قيـل فـي المثـل إن «السـعيد مـن وعـظ بغيـره، والشـقي مـن وعـظ بـه غيـره» وأبـت كثي ـر م ـن تل ـك المـدن إلا أن تكـون عب ـرة لغيرهـا، إذ ل ـم تتعـظ بمـا أصـاب المدين ـة الأم، حيـن لـم تحمـل الأمـر علـى محمـل الجـد واسـتمرت بحيـاة اللهـو والعبـث وإحيـاء الحفـات الصاخبـة وتبـادل الزيـارات المسـتمرة علـى الرغـم مـن التشـديد علـى ضـرورة التباعــد الاجتماعــي للحــد مــن انتشــار العــدوى، إلا أن كثيــرًا منهــا ضــرب بالتعليمــات الصحيــة والإرشــادات الوقائيــة عــرض الحائــط ولــم تفــق تلــك المــدن مــن غفلتهــا وتتقيـن بـأن الأمـر جـد وليـسهـزً إلـى أن شـاهد أهلهـا بـأم أعينهـم أقـرب المقربيـن إليهــم مــن أمهــات وآبــاء وفلــذات أكبــاد وأصدقــاء يتســاقطون واحــدًا تلــو الآخــر صرعـى بيـن يـدي هـذا المـرض وهـم مكممـون بكمامـات العجـز ولا يملكـون سـوى

68

Made with FlippingBook Online newsletter