Together Apart-(A)

النحيــب والعويــل. وبلــغ مــن هــول الكارثــة بســبب عجــز المستشــفيات والطواقــم الطبيـة عـن اسـتقبال وعـاج الحـالات المتزايـدة أن يسـجن المـرء لأيـام مـع جثـة مـن يحــب ولا يجــرؤ علــى تقبيلــه قبلــة الــوداع الأخيــر خوفًــا مــن انتقــال العــدوى، ومــع خــروج الوضــع عــن الســيطرة ضربــت حكومــات هــذه المــدن جــدار العزلــة بيــن كل مدين ـة وأختهـا، وفـرض الحجـر الصحـي عل ـى أفـراد البي ـت الواحـد. وكانــت المفاجــأة عندمــا أعلــن عــن الإصابــة بالفيــروس فــي إحــدى الولايــات العظمـى البعيـدة عـن تلـك المـدن المتلصقـة، والتـي كانـت تظـن بأنهـا سـتقف فـي هـذه الأزمـة موق ـف المتف ـرج والمسـعف لا غي ـر، معتمـدة ف ـي ذل ـك عل ـى قوتهـا الاقتصاديـة والعلميـة والعسـكرية والنوويـة التـي لا تقهـر بزعمهـا، غيـر أنهـا تحولـت بيـن غمضـة عيـن وانتباهتهـا إلـى بـؤرة لانتشـار الوبـاء بتسـجيلها أعلـى نسـبة وفيـات ومصابيــن حــول العالــم، وكان ذلــك ممــا خيــب ظنونهــا، وأرق جفونهــا، وأذرف دموعهـا، وسـلط السـيف علـى نحورهـا، وأظهـر هشاشـة حصونهـا، وسـحب البسـاط مـن تحـت نفوذهـا، وألبسـها لبـاس الجـوع والخـوف الـذي مـا عرفـه قاموسـها، فـدق الخطـر فـي ناقوسـها. وطـاف هـذا العـدو الغامـض حـول البقـاع كلهـا حتـى وصـل إلـى معقـل الإسـام، ذلـك المـكان الـذي انبثـق فيـه نـور الهدايـة ليشـع علـى الكـون كلـه نـورًا ويبـدد ظـام الجاهليـة. ولنكـون منصفيـن علينـا أن نسـلط الضـوء علـى الجانـب المشـرق لهـذه النازلـة ونذكـر بعضًـا مـن الإيجابيـات التـي تمخـض عنهـا هـذا الوبـاء العالمـي. فمــن إيجابياتــه: أنــه وحّــد أحــوال بقــاع الأرضكلهــا واختزلهــا فــي بقعــة واحــدة بحيــث لــو انتقلــت مــن مدينــة إلــى أخــرى ســتجد بأنــك لــم تبــرح عنهــا إلــى غيرهــا فالمشــاهد العامــة فــي كل منهــا واحــدة، فالشــوارع تشــكو خلــو المــارة فيهــا، ولسـان حالهـا يقـول : «لمـن الملـك اليـوم للـه الواحـد القهـار»، والمـدارس تحـن لـدق أجراسـها وشـقاوة طلبهـا وشـرح مدرسـيها، ومناطـق لعـب الأطفـال تنـادي عليهـم، والمطاعــم والمقاهــي تتضــور جوعًــا لرحيــل مرتاديهــا، والمستشــفيات والمراكــز الطبيـة نـاءت بحمـل مصابيهـا، والقبـور والأجـداث ثكلـى لتكـدس الجثـث فـي أراضيها، والسـجون مكدسـة تنتظـر لحظـة عفـو عـن قاطنيهـا، وبي ـوت الرحمـن تئ ـن شـوقًا لزائريهـا ورفـع أكـف الضراعـة لباريهـا وعشـاقها وقفـوا ببابهـا يطرقـون بحرقـة: ربنـا أعدنـا للصـاة فيهـا ولا تجعـل ذنوبنـا تحـول بيننـا وبيـن مبانيهـا، ومحـات بيـع المـواد الغذائيــة والســلع الاســتهلكية تصــرخ مــن شــدة شــره مســتهلكيها ومــن عجــز

69

Made with FlippingBook Online newsletter