Together Apart-(A)

فـي الصحـراء، وبالصدفـة لا يجـد إلا لغمًـا متفجـرًا تحـت قدمـه، كل مـا يعرفـه أنـه إن رفـع قدمـه سـينفجر وسيخسـر حيات ـه، ومـكان المعسـكر نطاقـه بعيـد جـدّا فمـاذا عليـه أن يفعـل، سـيتصل عبـر وسـيلة الاتصـال بالقيـادة ويصغـي جيـدًا إلـى التعليمـات التـي تملـى عليـه ثـم سـيتوجب عليـه أن يثبـت مكانـه حتـى يأتـي مـن يحـل المشـكلة». كان والـد العنـود يفهـم صعوبـة الأمـر بالنسـبة لمجتمـع تحكمـه العـادات والتقاليـد، وكان فــي قــرارة نفســه يعلــم أن مــا يمكــن أن يحــدث لــن يعيبهــم أو ينقــصمــن قدرهــم مطلقًــا، لكــن كأســرة مرموقــة كأســرته لا يمكــن أن يمــر ذلــك بســام... فكــر مليّــا وقــرر أن يصيــغ الأمــر بطريقــة خالــد التــي تضمنتهــا رســالته فكتــب لــه مكتوبًـا يصـف فيـه خطـورة الوضـع وسـوءه وأرسـل إليـه قائـاً: «لا يُمكـن للقنافـذ أن تقتـرب مـن بعضهـا بعضًـا... فــالأشواك التـي تُحيـط بهـا تكـوّن حصنًـا منيعًـا لهـا، ليـس عـن أعدائهـا فقـط، بـل حتـى عـن أبنـاء جلدتهـا... لـولا أن أطـل الشـتاء بــرياحه المتواصلــة وبرودتــه القارصــة، فاضطــرت القنافــذ للقتــراب والالتصــاق ببعضهــا طلبًــا للــدفء متحملــة ألــم الوخــزات وحــدّة الأشــواك... ثــم إذا شــعرت بالــدفء ابتعـدت... حتـى تشـعر بالبـرد فتقتـرب مـرة أخـرى، وهكـذا تقضـي ليلهـا بيـن اقتـراب وابتعــاد... وبيــن هــذا وذاك تكــون النهايــة هــي آلام لا تحتمــل ومصيــر مخيــف... يــا عزيــزي إن أقــوى الدوافــع «دافــع البقــاء» وحالتــي مــع التباعــد الاجتماعــي أو التقــارب الاجتماعــي هــي حالــةٌ نــادرة وفريــدة لا تحــدث إلا مــرة فــي العمــر، فكلنــا يصــر علــى التقــارب مــن أجــل البقــاء، لكــن حياتنــا مرهونــة بتباعدنــا، فالاقتــراب يعنــي أن نمــوت جميعًــا وأن نحيــا أيضًــا جميعًــا، والابتعــاد يعنــي أن ننجــو بحياتنــا، وقـد يعن ـي أيضًـا فن ـاء الجن ـس البشـري... هـذا هـو الوضـع ولكـم حسـن التقدي ـر». كان وضعًــا محرجًــا جــدّا علــى الأســرتين، وكان وضعًــا أشــد صعوبــة علــى خالــد والعنــود، فــكان حالهمــا حــال فقيــر وجــد جوهــرة بجانــب قصــر الأميــر، فخشــي أن يأخذهــا خوفًــا مــن الأميــر، وخشــي أن يتركهــا خشــية إملقــه وفقــره... قـال خال ـد لوال ـده بعـد أن تفكـر جيـدًا فـي رسـالة العـم صال ـح، كمـا قـال جـده ذات مـرة «دعهـا سـماوية ي ـا أب ـي دعهـا سـماوية»، ول ـم ي ـزد علـى ذل ـك بشـيء.

77

Made with FlippingBook Online newsletter