للخـروج فـي نزهـة «نحنـا مـا منخـاف مـن شـي، المـرض بخـاف منـا» وضحكـوا جميعًـا وكأننـي كنـت العنصـر الغريـب فـي هـذه اللوحـة السـعيدة، تابعـت طريقـي بصمـت. كـم هـو مرعـب تخيـل أنّ الفيـروس الآن يتجـول فـي رئـات الكثيـر؟! ولكـن مـن يـدري ربمـا مناعتنـا سـتفي بحـق كل الـدروس التـي دربناهـا عليهـا مـن الصغر فتقـفصامدة غيـر آبهـة كمـا نحـن. مضـت أربعـة أيـام علـى حالـة التأهـب التـي لـم تطبـق علـى أرض الواقـع سـوى فـي القطــاعِ الصحــيّ، فــي طريقــي إلــى المشــفى أصبحــت أشــعر بالمــرض يقتــرب أكثــر، أسـمع أصـوات السـعال فـي كل مـكان، أنظـر فـأرى أطفـاً ونسـاء وشـبابًا يبتسـمون ث ـم يكمل ـون طريقهـم بهـدوء وكأنهـم يقول ـون ل ـي «لا تخافـي مـا معن ـا كورون ـا» متـى سيشـعر النـاس بحقيقـة الخطـر القـادم؟ ويعرفـون أنّ كورونـا ليـس اسـمًا لعابـر طريـقٍ يجـد الحـدود مقفلـة فيعـود أدراجـه. بـدأ النـاسمـع الوقـت يلتزمـون البيـوت قليـاً، ربما هو الفـراغ الـذي بدأ يلتهـم يومهم أو الملـل مـن كثـرة التنبيهـات لا أدري... كلّ مـا أعرفـه أن إشـاعةً واحـدةً كفيلـةً ب ـأن تخـرج الجميـع «هنـاك حظـر تجـول قـادم»، الـكل خـرج إلـى الأسـواق ليحضـر مـا تسـتطيع الأيـدي أن تحمـل، كـم هـو جميـل الشـعب هنـا نحـن فعـاً أصبحنـا خبـراء أزمـة. أسـبوع واحـد مـن الحـذر والترقـب كان كفي ـاً ب ـأن يرهـق نفسـيتي إل ـى الحـد ال ـذي أردت فيـه الخـروج مـن دائـرة انتظـار المجهـول فقـررت التوجـه إلـى منزلـي، وكـم كان الصب ـاح هن ـاك مختلفًـا جـدّا، بعي ـدًا ع ـن كل السـلبية فـي دمشـق ب ـدا هـواء القري ـة نظيفًـا دافعًـا للتفـاؤل. يقـول لـي الجميـع هنـا: هـل حقّـا أتيـتِ لتعطينـا نصائـح كورونـا؟ كيـف لنـا نحـن مـن ربتنـا الطبيعـة الأم بأقسـى وجوههـا أن نخـاف مـن فيـروس؟! يبـدو أن المدينـة قـد غيرتـك فعـاً.. لـم أسـتغرب ردة الفعـل هـذه، فالأطفـال هنـا صديقـة التـراب والهـواء، كبـروا مـع تمائـم الأمهـات وأعشـاب الجبـال فترسـخ فـي جيناتهـم مـا هـو أكبـر مـن أن تضعفــه عــدوى، لكــن صدقونــي الأمــر اليــوم مختلــف وكورونــا ليــس بإنفلونــزا تُعالـجُ ببخـار الـورد وحبـوب اليانسـون. مـع ذلـك يكفينـي مـن زيارتـي هـذه أننـي كنـت سـعيدة، فـا شـيء يرفـع المعنويـات كتواجـدك فـي المن ـزل، تشـعر بأمـان كل اللحظـات الت ـي كب ـرت بهـا في ـه، فل ـو قـام العالـم بألـف كارثـة أتقـوى بـه. كـم نحـن ضعفـاء بعيـدًا عـن منازلنـا!
79
Made with FlippingBook Online newsletter