Together Apart-(A)

فقـد أصبـح فـي الأقسـام البـاردة فخـطّ التمـاس يحتـاج كـوادر مدربـة تفـوق خبرتـي الت ـي مـا زال ـت ف ـي بداياتهـا. مـع ذل ـك كن ـت أدخ ـل قسـم الحج ـر بي ـن الحي ـن والآخ ـر، فتلـك الهالـة المحيطـة بالمـكان كانـت تجذبنـي دائمًـا. الوقـت فـي الداخـل لـه زمنـه المختلـف لا يسـير كمـا اعتـادت عقـارب سـاعاتنا، والمشـهد هنـاك كمـا لـم تـرى مـن قب ـل فتشـاهد صـراع المـوت والحي ـاة معًـا ولا ت ـدري لمـن الغلب ـة. اســتوقفتني امــرأة قُبلــت منــذ يوميــن بشــك فــي كورونــا بعــد أن ظهــرت عليهــا بعـض الأعـراضوهـي علـى تمـاسمـع ابنهـا الـذي كان يعمـل علـى سـيارة حدوديـة. كان الزمـن قـد ت ـرك بصمتـه بوضـوح فـي ملمحهـا المتعب ـة، اقترب ـت منهـا أحدثهـا قليـاً ونحـن جميعًـا بالنسـبة لهـا نفـس الشـخص (فالأقنعـة والكمامـات تخفـي أغلـب ملمحنـا) وقبـل أن أقـول أي كلمـة قالـت لـي «سـننجو يـا ابنتـي لا تخافي وستعيشـون لتـروا كيـف أنكـم كنتـم أبطـاً فـي زمـن الكورونـا» يبـدو أن دقـات قلبـي المضطربـة كان ـت أكب ـر مـن أن يخفيهـا قن ـاع فمـا كان لهدوئهـا إلا أن يمت ـصكلّ هـذا القل ـق ويترجمـه بابتسـامة أمـل شـافية. عرفــتُ حينهــا كيــف للكلمــةِ أن تنافــس الــدواء، نســعى فــي كل دقيقــة لنتعلــم جديـد طـرق العـاج وأغفلنـا أن نتعلـم كيـف نحتضـن خـوفَ مريـض. خرجـت مـن عندها وأنـا أفكـر، كـم تصنـع منـا المواقـف أشـخاصًا جـددًا؟! فقـد أيقظتنـي بحديثهـا القصيـر علـى مـا لـم تُعلمنـي إيـاه مدرجـات الطـب، عرفـت كيـف للكلمـة الجميلـة أن تشـعل نــورًا منطفئًــا، فربمــا يكــون الأمــل ليــس جرعــة دواء تعطيهــا لمريــض لكنّــه تلــك الفكـرة التـي تمنحـه سـببًا ليقـاوم ومـا أحوجنـا اليـوم للأمـل الطبيـب والمريـضمعًـا. خبـر جديـد يشـغل حديـث الأطبـاء اليـوم هـو بشـكل أو بآخـر عـن كورونـا طبعًـا لكـن بقلـمٍ وزاوي ـةٍ مختلفتيـن. لقـد فتحـت عـدد مـن دول الغـرب ب ـاب السـفر لاسـتقطاب الأطب ـاء، فأنظمتهـا الصحي ـة ب ـدأت بالانهي ـار وخطـوط دفاعهـا تتناق ـص يوم ًـا بعـد يــوم، تلــك الــدول التــي طالمــا كان حلمًــا لنــا العمــل فــي مشــافيها ولا يــزال... يــا للغراب ـة الكثي ـر مسـتعد للذهـاب حت ـى بوجـود الوب ـاء ومخاطـره. يبـدو أن مشـكلتنا ليسـت مـع المـرض، هـي نظـرة مسـتقبلية بعيـن لهـا معاييرهـا المختلفـة، فـإن نجونـا هنـاك ولـدت أحلمنـا وأزهـرت وإن نجونـا هنـا بقيـت الأحـام فـي رحمهـا تنتظـر المخـاض الطويـل. ب ـدأتُ أفتقـدُ كثي ـرًا التفاصي ـل الصباحي ـة الت ـي كن ـت أعيشـها أثن ـاء ذهاب ـي للعمـل؛ كأسَ الشـاي، دعـاء أمـي، المواصـات المزدحمـة، والخمسـين ليـرة المفقـودة دائمًـا.

83

Made with FlippingBook Online newsletter