لا شـيء مـن هـذا اليـوم، ففـي طريقـي خـوفٌ غامـضٌ يسـتتر بكمامـة لكنّـه ليـس ذات الخـوف فـي كل العيـون. علـى بـاب بقاليـة رجـلٌ خائـفٌ جـوع أطفاله، أمـام موقف النقـل الفـارغ شـاب خائـف بُعـد أهلـه فالوحـدة بالأزمـة أزمـة، وفـي أروقـة المشـفى سـتينيّ خائـفٌ أن يُسـقط عـكازه فيـروس... مـاذا عنـي أنـا؟! أول مـا تعلمنـاه أنّـه ليـس مـن حقن ـا أن نخـاف فعل ـى أحدهـم أن يمسـك الدفـة ويمل ـك شـجاعة القبطـان وإ غرقـت السـفينة بِضَعـف أبنائهـا. لكننـي لا أخفيكـم أننـي وفـي كل ليلـة أذكـر ذلـك الـدكان فيهـرب النـوم مـن عينـي وأُصلّـي كـي لا تكـون إجراءاتـي الوقائيـة قـد خانتنـي يومهـا. أخبرتنـي صديقتـي أن أنـزع هـذه الفكـرة السـوداوية مـن رأسـي فـكلّ شـيء يسـير بخيـر إلـى الآن، وليـسهنـاك مـا يوحـي بعكـس ذلـك. حتـى أنّـه لـم يحـدث ذلـك الانفجـار الـذي توقعنـا فـي أعـداد المصابي ـن فقـد مـرت عشـرة أي ـام عل ـى بداي ـة كورون ـا لكـن الفي ـروس مـا زال ضيفًـا عل ـى الأب ـواب ل ـم يدخـل بيـوت الكثيـر. إن ّـه وعـي النـاس ال ـذي اسـتيقظ مؤخـرًا فل ـم أراهـن عليـه مـن البدايـة لكـن لحسـن الحـظ أنـي خسـرت. « لقـد أمضيـت كل سـنوات الحـرب دون أن أتوقـف يومًـا عـن العمـل لكننـي اليـوم خائ ـف... خائ ـف مـن كل راكـب وقطعـة نقـود ومقب ـض ب ـاب» هكـذا أخبرن ـي سـائق التاكســي الــذي أغلــق علــى نفســه بعــازل بلســتيكي حيــن عــرف أننــي أعمــل فــي مشـفى، أنـا لسـت فيروسًـا متنقـاً صدقنـي لكـن لا عليـك فمـا فعلتـه هـو الصـواب. كنـت ذاهبـة لشـراء بعـض الحاجيـات ورياضتـي اليوميـة ذهاب ًـا وإياب ًـا إل ـى المشـفى كانـت كفيلـةً بـأن تدفعنـي لأسـتقل تاكسـي، فالسـيارات هـي وسـيلة النقـل الوحيـدة التـي مـا تـزال قيـد العمـل، لكننـي فـي جولـة تسـوقي هـذه صادفـت أمـرًا اسـتوقفني، امــرأة غريبــة اللبــاس تســودها ســحنة العرافيــن تجلــسُ بجانــب الرصيــف وتتحــدث بتمتمــات لــم أفهــم أغلبهــا «الطبيعــة الأم غاضبــة... الطبيعــة الأم لــن ترحمكــم، ســتموتون بمــا اقتــرف جشــع قلوبكــم، إنّهــا غاضبــة... غاضبــة» أســرعت قبــل أن أسـمع البقيـة فكلمهـا مخيـفٌ أكثـر مـن كورونـا، وأنـا فـي طريقـي أفكـر هـل حقّـا تملـك الطبيعـة مشـاعر فتنتقـي مـن تريـد؟! هـل سـيكون البقـاء للصالحيـن فقـط؟! مــن يــدري قــد يبــدو الــكلم لــي ضربًــا مــن الجنــون لكــن البعــض يؤمنــون بــه حــد الحقيقــة. مــع قــدوم نيســان بــدأت إجراءاتنــا الاحترازيــة تــزداد وتتوســع. لقــد توقــف الســير بيـن المحافظـات وقريتـي أصبحـت بعيـدة جـدّا، كورونـا حكـم علـي اليـوم أن أمضـي
84
Made with FlippingBook Online newsletter