Together Apart-(A)

سـهرتي وحيـدة. أنـا بالأسـاس لـم أكـن شـخصًا كثيـر النشـاطات، لكـن حتـى التفاصيـل العاديـة البسـيطة التـي كنـت أعيشـها أصبـح لهـا اليـوم طعمًـا مختلفًـا طعمًـا فاقـدًا للأمـان، فقـد أخـذت لـون الكورونـا وبـت شـاحبةً بقـدر أفـكاري الآن. هـو يلعـب علـى وتـر أحاسيسـنا المتعبـة فيعـرف جيـدًا كيـف يبقـى منتصـرًا فـي هـذه المعركـة. أصبـح شـعار «خليـك بالبيـت» عنـوانَ المرحلـة، يقولـون إن دور البطولـة هـذا قـد لا يتكـرر ثانيـة، أن تنقـذ العالـم بجلوسـك فـي البيـت فقـط، لا يعرفـون أن الجلـوسهنـا ثمنـه الكثيـر... مـاذا يفعـل مـن كان يعيـشعلـى عمـل يومـه؟ كيـفسـيخبر أطفالـه أن كورون ـا ق ـد سـرق أمنياتهـم البريئ ـة بوجب ـةِ غ ـداءٍ يتناولونهـا بسـعادة؟! لا نقـود تأت ـي ب ـا عمـل ولا عمـلَ الي ـوم مـا دام المـرض قائمًـا. يب ـدو أن الفق ـر أصب ـح حليف ًـا جديـدًا لكورونـا عـرف جيـدًا كيـف يضربنـا بنقـاط ضعفنـا. « إذا كنـا نختبـئ مـن المـوت فأنـا أمـوت فـي اليـوم ألـفَ مـرة، لنعـد لعملنـا وليحـدث مـا يحـدث» هـو أب يقـف علـى بـاب البقاليـة، يحمـل بيـده قطعـة نقديـة لـم تَبـدُ لـي بوضـوح لكـن دمعتـه كانـت كافيـةً لأعـرف أنّهـا قـد لا تكفـي لتشـتري لـه مـا يطعـم بــه أســرته، ليــس أصعــب مــن أن تشــاهد دمــوع أب كســرت قلبــه قلّــة الحيلــة. أي طريـق هـو هـذا الـذي نسـير فيـه؟! وأيّـة نهايـة ننتظـر؟! كورونـا هنـا لا يحـارب أجسـادنا فقـط بـل يحـارب الجيـاع بلقمـة عيشـهم، ومـا أكثرهـم فـي بلدنـا. السـبت صبـاحٌ ربيعـيّ هـادئ، صـوت فيـروز، كأسشـاي، صفحـات إخباريـة، وأنـا... مـا أكث ـر التضـاد ف ـي هـذه اللوح ـة! كي ـف لهـدوء الموسـيقى أن يبتل ـع صخ ـب الح ـدث الحاصـل فكورونـا قـد خيّـم علـى كلّ شـيء، لكـن إلـى متـى؟! لقـد طـال النفـق كثيـرًا ولا بارقـة ن ـور تدفـع للتفـاؤل، عيونن ـا الي ـوم تنظـر باتجـاه مخاب ـر الغـرب نتاب ـع أصغـر تفصيـل فـي دراسـاتهم أي عـاج يضعونـه فـي خطـة تدبيرهـم، وننتظـر منهـم اللقـاح والـدواء ففـي لحظـة الحقيقـة نعـرف أنهـم الأقـدر، وأسـأل نفسـي هـل هـم أذكـى منـا حقّـا؟! لا أظـن لكنّهـم وُجـدوا فـي المـكان المناسـب وهـذا وحـده كافٍ ليكـون ورقـة حـظّ رابحـة. نحـن أيضًـا نملـك العقـول لكـن إمكانياتنـا محـدودة جـدّا والمصبـاح لا يضـيء بـا قابـسكهربـاء. اسـتيقظتُ صباحًـا عل ـى لعـب الأطفـال فـي الشـارع الفـارغ إلا مـن أصواتهـم، نحـن حتـى فـي الحجـر الصحـي لنـا قواعـد مختلفـة، لكـن اسـتغرابي هـذا لـم يـدم طويـاً إذ أتـى حديثهـم ليقطـع كل تسـاؤل «لقـد أخبرتنـي أمـي أن كورونـا لا يصيبنـا هـو يحـب الأطفـال، هـي قالـت ذلـك وأمـي لا تكـذب» يا لبسـاطة تفكيرهـم ليتنا نسـتطيع أن نرى

85

Made with FlippingBook Online newsletter