الأمـور ببـراءة عيونهـم. نظـرت مـن النافـذة لأجدهـم قـد صنعـوا كـرةً مـن أقمشـة وأكيـاس بلسـتيكية، واسـتعدوا لتقسـيم الفِـرق للعـب والضحكـة تمـ وجوههـم، هــم ســعداء حتــى بكرتهــم المزيّفــة تلــك، فحيــن لا تملــك الكثيــر مــن الخيــارات فــي الحيـاة تصبـح أبسـط الأشـياء بالنسـبة لـك خيـارًا عظيمًـا. يبـدو أنّـه علينـا أن نرضـى بالواقـع قليـاً فنغيـر تكتيـك اللعبـة، ونتعامـل مـع الأمـور بليون ـةٍ أكث ـر لأنّ بقاءن ـا مـع كورون ـا سـيدوم طوي ـاً. لأغي ـر روتين ـي إذًا ولأُعـدّ الي ـوم فنجــان قهــوة، أنــا لا أشــربها كثيــرًا أو بالأحــرى لــم تعــد تغرينــي فــي الفتــرة الأخيــرة فنكهتُهـا الغامضـة بات ـت تحاكـي بمرارتهـا وجـع قلوبن ـا. جهـزت حقيبت ـي وانطلقـت فـي طريقـي الـذي بـدأت أشـعر بـه أطـول، يومًـا بعـد يـوم، هـل هـو جهـد المسـافة؟! أو القصــص الحزينــة التــي ألمســها بعيــون النــاس؟! مشــاعر مختلطــة مــن الخــوف والقلــق وتعــب الانتظــار، فكورونــا بــدأ يتحــول لأزمــة أكثــر مــن كونــه مرضًــا أزمــة اقتصاديـة نفسـية واجتماعيـة... كأن حجـرًا سـقط فـي البحيـرة الراكـدة فحـرّك المـاء العكـر وب ـدأت المشـاكل تطفـو عل ـى السـطح. وصلــتُ إلــى المشــفى التــي أصبحــت مكانًــا مرعبًــا حقّــا لأول مــرة، أســتذكر ضجيــج الازدحـام كسـيمفونية أمـان. أي فيـروسهـو هـذا الـذي جعلنـا نخـاف كل شـيء؟! أنـا اليـوم لـم أعـرف صديقتـي حتـى، فقـد رأيـت طبيبـة تلـوّح لـي مـن بعيـد قبـل أن تدخـل قســم العــزل لكننــي لــم أعرفهــا، فملبســها قــد أخفــت كلّ ملمحهــا، يــا لتعاســة المرضـى فهـم فـوق ألمهـم يجـدون أنفسـهم يبثون شـكواهم أمـام كمامـة وقناع. لأول مـرة يقـف العالـم أجمـع فـي مواجهـة عـدوّ مشـترك، ويتنافـس العلمـاء لإيجـاد عـاج ينقـذون بـه النـاسدون تفكيـر بلـون أو عـرق أو ديـن. مـا أجمـل أن تتجـرد القلـوب مـن أحقادهـا فيفكـر الإنسـان بالإنسـان دون أي اعتبـار آخـر. يبـدو لـي أيضًـا أن للـكأس نصفًـا آخـر فكورونـا الـذي جمعنـا علـى مواجهتـه كان صديقًـا لطيفًـا يسـاعد بصمـت، هـذا الفي ـروس ال ـذي عـزف لحـن المـوت عل ـى مـدار الشـهور الماضي ـة فغـزا أجسـادنا، والتهـم اقتصادنـا، وأوقـف آلاف الطائـراتِ والبواخـر والمعامـل عـن العمـل قد بـدأ يهب الحيـاة لكوكـب الأرض، ومـا عجـزت عنـه سـنواتٌ مـن الاجتماعـاتِ والأبحـاث والاتصـالات يبـدو أن كورونـا قـد حققـه بشـهورٍ قليلـةٍ فقـد عـادت أرضنـا تتنفـس مـن جديـد. الثلثـاء، وفـي يـومٍ نيسـانيّ دافـئ بـدأت الحكايـة فصـاً جديـدًا، مـا قبـل هـذا التاريـخ لا يشـبه أبـدًا مـا بعـده، لقـد عـدت مـن عملـي باكـرًا منـذ الصبـاح لا أشـعر أننـي بخيـر، شـربت كأسًـا م ـن العصي ـر، فالفيتامين ـات أصبح ـت واجب ًـا يومي ّـا يرافقن ـي من ـذ بداي ـة
86
Made with FlippingBook Online newsletter