التهديدات الأمنية في حوض البحر الأبيض المتوسط الغربي

خاتمة أفــرزت التحــولت الجذریة والعمیقة التي مسّــت السیاســة العالمیة بعد نهایة الحرب الباردة، مجموعة من الدینامیكیات الجدیدة والفاعلة، أدت بحقل الدراســات الأمنیــة إلى التكیف مع هذه التحولت من خلال إیجاد مفاهیم حدیثة وإعادة صیاغة منظــورات جدیدة للاســتجابة للطبیعة المتعــددة لأبعاد الأمن ومســتویاته، ولتعمیق الحــوارات النظریة حول ماهیة الأمن وتطور مفاهیمــه، وفتح المجال لإعادة تعریف التهدیــدات والمصالح، كل ذلك انعكس أساسًــا على إعادة تكییف الترتیبات الأمنیة والعسكریة مع هذه التغییرات. تمیــزت هذه الفتــرة بظهور تهدیدات جدیــدة عابرة للحــدود الإقلیمیة أثبتت محدودیــة قدرات الدول، وصعوبة حمایة حدودها وأمن مواطنیها بمفردها؛ ما أعطى أهمیة للتعاون الإقلیمي في المجالت الجتماعیة، والقتصادیة، والثقافیة، والسیاســیة، والأمنیة. استدعى ذلك ضرورة التعاون بین الدول في إطار التفاعل بین عنصري الدفاع والأمن، اللذین ل یقتصران على القدرات العســكریة، بل یشــملان جوانب اقتصادیة واجتماعیة. تتمیز البیئة الأمنیة في المتوسط الغربي بالتفاوت الصارخ بین ضفتيه، ضفة شمالیة مكونة من بلدان جنوب أوروبا (القوس اللاتیني)، ترى مستقبلها في مؤسسة التحاد الأوروبي، ول تعرف مشــاكل أمن فیما بینها، هي دول متفوقة عســكریّا ومنضمّة إلى حلف شمال الأطلسي. في المقابل، ضفة جنوبیة مكونة من بلدان عربیة منقسمة مشتتة، تعیش حالة تراجع فوضوي، تتمیز بخلل مؤسســاتي، إمكاناتها العسكریة محدودة؛ ما جعل منطقة المتوسط دائرة نفوذ أوروأطلسیة. مع ذلك، ورغم هذا الختلاف الشاســع في الإمكانیات وموازین القوى، يعتبر جنوب المتوسط بمشاكله المختلفة: الإرهاب، والهجرة غیر الشرعیة والجریمة المنظمة ، بما " التهدید القادم من الجنوب " مصدر تهدید جدید شامل ومركب ضمن أطروحة یخدم مصالح المنظومة الغربیة الأمنیة؛ ما أدى إلى إدخال التهدیدات غیر العســكریة إلى جدول أعمال الأمن. انتهــاء الحرب الباردة بدوره جعل الفصل بین ضفتي المتوســط في التصورات

121

Made with FlippingBook Online newsletter