العدد 12 – نوفمبر/تشرين الثاني 2021

| 114

بالعــودة إلــى أدبيات المقاطعات الاقتصادية، التي جرى التعامل معها في الدراســة الأولى من هذا المشروع البحثي، أُشير إلى أن مقاطعة المنتجات الاستهلاكية تتمايز فيما بينها طبقًا لأهدافها والتي قد تكون أداتية أو تعبيرية؛ تســتهدف الأولى تحقيق أهداف عملية والثانية مجرد محاولة للتنفيس عن الغضب والإحباط المرتبط بالاستياء من سلوك الكيان المُستَهدَف بالمقاطعة، إلا أنه قد ينتج نوع مختلط من المقاطعات يتضمــن أهدافًا عملية وتعبيرية يطلق عليهــا مقاطعات عقابية، وتختلف عن الأداتية ممارسات الكيان المُستَهدَف بالمقاطعة، بل معاقبته " تصحيح " كونها لا تســعى إلى على تلك الممارســات التي قد يكون المقاطعون في الحقيقة مقتنعين بأنه لا يمكن ). هذا النوع مــن المقاطعة وإن كان ذا أهداف تعبيرية إلا أنه يمثّل 41 العــودة عنها( إشــارة للكيان المُســتَهدَف بالمقاطعة وغيره من الكيانات بأن أية إساءة مستقبلية لن تمر دون تكلفة. لذلك قد يكون هذا النوع من المقاطعة تعبيريّا على المدى القصير وأداتيّا على المدى الطويل. ويتماشــى هــذا الهدف المركّب مع أدبيات التحليل الشــبكي التــي تركز على قوة التخارج أو فك الارتباط كأحد أوجه القوة المتاحة، خاصة لنقاط الالتقاء التي تعتبر هامشية، أو لا تتمتع بمستوى عال من التوسط في الشبكة. لا تكمن القوة هنا في منع المنافع المســتخلصة من أسواق العالم الإسلامي عن الكيانات المُستهدَفة بالمقاطعة في ســياق علاقات ثنائية مســتقلة فحسب، بل أيضًا استهداف مستوى التوسط الذي تتمتع به الكيانات المُستهدَفة بالمقاطعة والذي لا يمكن فهمه إلا من خلال التحليلي الشــبكي. بمعنــى أن المقاطعة في هذه الحالة وســيلة للتأثير علــى موقع الكيانات التجارية والسياســية الفرنسية في الشبكات الدولية من خلال حرمانها من ارتباطاتها الشبكية مع العالم الإسلامي التي تعطيها قوة للمساومة والتأثير مع مختلف الفاعلين في الشبكة، خاصة أولئك الذين لديهم ارتباطات شبكية مع أسواق العالم الإسلامي. في هذا الإطار، تمثّل المقاطعة الشــعبية محاولة لاستثمار العلاقات العابرة للحدود، وتموضع المستهلكين في الشبكات التي نشأت عنها، للدخول في مساومات وخلق تأثير سياســي بهدف إقناع أو إكراه طرف خارج الحدود على تغيير سياســاته، حيث يُعتبر هذا البُعد للحملة الاحتجاجية التعبير الأكثر وضوحًا لفاعلية الجماهير من خلال الفعل التواصلي، والذي بالطبع لولا النفاذ إلى المنظومة المعلوماتية الدولية وانفتاحها واستخدام هذا النفاذ في مسار التنسيق التنظيمي والحشد الهوياتي لما أمكن تحقيقه.

Made with FlippingBook Online newsletter