| 160
مقدمة يكشف الدّين عن تجذره في المجتمعات الإفريقية وانتشاره في كل زاوية من زوايا الحيــاة باســطًا ظلّه على الطبقات الاجتماعية ونظمهــا، وهو ما كان جليّا في أنظمة الحكم التي سبقت الاحتلال، كما أطّر الفكر الديني العقد الاجتماعي بصورة عامة، وأســهم في التقدم العمراني ورقي الاجتماع البشــري، ويشهد بروز الظاهرة الدينية في مختلف مناطق القارة على مظاهر تدين الشعوب الإفريقية وتعلقها بالميتافيزيقي. ولم تكتف الشعوب في علاقتها بالمعتقد لحد إعلانه وتبنيه، بل عملت على إحيائه وتجديده كما هي الحال في ربوع القارة من الســودان شــرقًا ومع نشــاط الكنيســة الكونغولية (زائير ســابقًا) في وسطها، وتحكيم الشريعة شمال نيجيريا بغرب إفريقيا ، وإعلان جمهورية زامبيا أمة مسيحية، ثم التوظيف الديني من قبل السلطة 1999 منذ السياسية المدغشقرية بأقصى الجنوب. وتســتمر الشــعوب الإفريقية المســلمة بتجديــد مطالبها الدينيــة والهوياتية مع كل المناســبات والتحولات السياســية كليّا أو جزئيّا، داعية لإفســاح المجال العام أمام المسألة الدينية إن على المستوى الوطني وكذا الجهوي، سواء كان الأمر بدافع ديني محض أو سياسي مصلحي، غير أن القطيعة الاستعمارية حالت دون تطور المدنيات )، وتسببت 1 الإفريقية وأخّرت تقدمها العمراني وارتقاء مؤسساتها ونظمها الحضارية( في انصرام العلاقات الدينية السياسية أو تحجيمها، فيما تعمدت سياسة الاحتلال ضم أجــزاء من الأراضي الإفريقية بعضها إلى بعض غير عابئة بالانســجام بين الطوائف " وفق المقاييس الغربية " مُفَوِتة بذلك نشــأة أمة متماســكة؛ مما هيّأ لتقبل الدســتور بعد الاستقلال كضامن للوحدة الوطنية. ولم تمنع السلطوية زعامة البلاد من الإبانة بوضــوح عن مرجعياتها العقديــة وانتماءاتها المتعددة بتبنيهــا للمنظومات القانونية والتشــريعية في صدارة وثائقها التأسيســية للحكم والسياسة، فيما تتطور الممارسات الدستورية في بيئة تتوافر بها مقومات الحياة والعيش الكريم. لكن انتشار الحروب والنزاعات الداخلية ونفوذ المؤسسة العسكرية وضعف السلطة القضائية وركود الحياة السياسية، إضافة إلى التدخل الأجنبي كسياسة التقويم الهيكلي انعكس سلبًا على تطور المؤسسات الإفريقية وفعاليتها، علاوة على ارتفاع نسبة الفقر والبطالــة وغياب العدالــة الاجتماعية، وانعدام بنية تحتيــة مواتية إلى جانب موجة الجفاف في الســبعينات، كل ذلك فتح الباب أمام المساعدات والإملاءات الأجنبية.
Made with FlippingBook Online newsletter