مصر وإثيوبيا وصراع الهيمنة على حوض النيل

ثانيًا: موازين القوة الناعمة بين مصر وإثيوبيا ) أو التفاوض، Bargaining كما سبق القول، يُقصد بالقوة الناعمة، قوة المساومة ( والتي تبرز أساسًا في الاتفاقيات القانونية، وتحديد أجندة المفاوضات وجدول الأعمال، كما يقصد بها قوة الأيديولوجيا والأفكار التي تطرحها الدولة لتبرير سياســتها المائية بغــضّ النظــر عن كون ذلــك صحيحًا أم لا، مثل الحديث عــن أن المياه قضية أمن قومي، فكرة الحق التاريخي، الاستخدام العادل والمنصف، وما سوى ذلك من أفكار قد تكون لها أصول قانونية دولية، لكن يتم تفســيرها وفق مصالح كل طرف، لاســيما أن المعايير الخاصة ببعضها مثل الاستخدام العادل والمنصف فضفاضة. ويلاحظ أن اختلال توازن القوة العســكرية والاقتصادية، بل والسياسية، وكذلك الدعم الخارجي، كان له تأثير بالغ في قوتي المساومة والأيديولوجية في العلاقة بين البلدين منذ الاستعمار. لذا، ســنحاول من خلال هذه الجزئية تناول قوة المساومة من خلال الاتفاقيات القانونية لنهر النيل سواء تلك التي تمت خلال الاستعمار، أو بعد استقلال هذه الدول، وسواء تلك المتعلقة بين دول المنبع والمصب، أو بين دولتي المصب فقط، في حين ستُخصص الجزئية الثانية لتناول أبرز الأفكار التي يروّج لها كلا الطرفين، مع التركيز على الأفكار القانونية. لنهر النيل وقوة المساومة " الجزئية " - التفاقيات القانونية 1 فــي إطار تركيزنا على علاقــات الهيمنة وتحدي الهيمنة بين مصر وإثيوبيا، فإننا ســنتناول باختصار أبرز الاتفاقيات التي وقّعتها بعض الدول الاســتعمارية مع بعضها البعض نيابة عن بعض دول الحوض، أو وقّعتها دولة أو دول اســتعمارية مع إحدى دول الحوض المستقلة، أو تلك التي وقعتها بعض دول الحوض المستقلة مع بعضها ، " بريطانيا تحديدًا " البعــض؛ كونها تبرز قوة المســاومة لبعــض الدول الاســتعمارية ؛ ولتأثير هذه المســاومة على علاقات الهيمنة " مصر " وبعض دول الحوض المســتقلة بين مصر وإثيوبيا من حيث ســعي الأولى تحديدًا لجذب الســودان في صفها استنادًا لهذه الاتفاقيات، في حين ســعت إثيوبيا، لضم دول المنبع لصفها في تحدي الهيمنة، كــون هذه الاتفاقيات جاءت نتيجة اختــ ل توازن القوي من ناحية، وفي ظل انحياز الاستعمار البريطاني -الذي كان عنصرًا مشتركًا في معظمها- لصالح مصر لاعتبارات اقتصادية وسياسية وعسكرية سيأتي تفصيلها لاحقًا.

82

Made with FlippingBook Online newsletter