إلــى المــدن. وانخرطوا انخراطًا كبيرًا في دينامية التحديث التي كانت المدن مراكزها الرئيسة، لكنهم لم يتخلوا عن موروثهم الثقافي الذي كان سؤال الهوية قد ترسّخ فيه منذ مدة ليست قصيرة، كنتيجة للتحولت العنيفة التي حدثت جرّاء التدخل الستعماري وتحطيم البنيات التقليدية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفئات ظلّت تعارض تذويب الروح الإسلامية تحت تأثير التغلغل الأجنبي، سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا، هؤلء أناس مخلصون في تدينهم، وانخراطهم في الحركية الإســ مية جاء نتيجة تصورهم للخطر الناتج من قبل الدولة والعالم الخارجي، والغالب أنهم يرون الخطر يؤثّر على شــخصيتهم الدينية التقليدية ومصالحهم القتصادية معًا. وقد أدت سياســات الــدول العاملة ضمن إطار القتصــاد العالمي إلى زعزعة الوضــع الجتماعي القتصادي للطبقات الوســطى؛ إذ تقلصــت إلى حدّ كبير فرص التحــرك أمام أفراد الطبقة الوســطى بل أصبح من الصعب اســتمرار هذه الطبقة من خلال الحفاظ على وضعها الجتماعي والقتصادي؛ مما أدى إلى حالة من الحرمان النســبي. وإلى جانب ضروب الإحباط التي أحاطت بعناصر الطبقة الوســطى انضاف اغترابهــم الثقافي عن النخب السياســية والقتصادية. وهذه الفجوة الثقافية قد عززها اتساع الفجوة القتصادية التي لم يستطع أفراد الطبقات الوسطى تجاوزها على الرغم من مستواهم التعليمي المرتفع نسبيّا. وإذا كان التعليم العالي قد أسهم في زيادة مستوى الوعي الجتماعي بين فئات واســعة من الطبقة الوســطى؛ فإنه مع ذلك، لم يسهم في تحسين الوضع القتصادي؛ الأمر الذي عزّز وعمَق شدة حساسية أفرادها للظلم الجتماعي القتصادي وللاعتداء " ؛ إذ إن من المؤكد أن معاناة قطاعات واسعة ((( " الثقافي الغربي على هويتهم الإسلامية من الشباب الذين رَمَتْ بهم الهجرة الريفية إلى ضواحي المدن، بجانب أبناء الطبقات الوسطى المدينية، من البطالة أو لجوءهم إلى ممارسة أعمال هامشية غير مشبعة وغير . ((( محققة للذات؛ قد ضاعفت في أوساطهم مشاعر عدم النتماء والغتراب من ثمة بدأ الوعي الجماعي القائم على الهوية الإسلامية يتأطر في مخيال الطبقة . 83 ، مصدر سابق،ص الأصولية في العالم العربي ريتشارد هرير دكمجيان، ((( ،) 2005 ترجمة: نبيل سعد، (القاهرة، دار العالم الثالث، جهاد: انتشار الإسلام السياسي، جيل كيبل، ((( . 84 ص
28
Made with FlippingBook Online newsletter