الأصول الاجتماعية والفكرية للحركة الإسلامية المغربية سيرورة…

يبحث الكتاب معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971- 2018)) فيما يقوم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من علاقات قبل إنشاء المجلس وبعد تأسيسه. كما يتناول مسارات التعاون والصراع في تلك العلاقات، وتطورها خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ومطلع الألفية الثالثة، وكذلك العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي أثَّرت وتؤثر فيها سلبيًّا أو إيجابيًّا. ويسعى الكتاب لمؤلفه، الدكتور محمد صالح المسفر، بصفة عامة إلى محاولة فهم العلاقات الخليجية-الخليجية وتقييمها في إطار التداخل بينها وبين السياسات الإقليمية والدولية ودراسة اتجاهاتها والبحث في مصير الدول الخليجية.

ﻋﺒﺪ اﻹﻟﻪ ﺳﻄﻲ

عبد الإله سطي

5 ......................................................................................................................................... مقدمة 15 ............ الفصل الأول: الجذور التاريخية والاجتماعية للحركة الإسلامية المغربية 16 ......................... أولً: سياق النشأة وإرهاصات التشكل: في إعادة تأصيل الظاهرة 39 ................................................. ثانيًا: الجذور الجتماعية للحركة الإسلامية المغربية الفصــل الثانــي: الجــذور الأيديولوجيــة والثقافيــة المؤسّســة للفعــل الحركي 51 .............................................................................................................. الإسلامي بالمغرب 51 ...................................................................................................... أولً: التكوين العقائدي 60 ....................................................................................................... ثانيًا: التكوين التنظيمي الفصــل الثالــث: التحــول نحــو الراديكاليــة: بنــاء خطــاب القطيعــة مــع 69 ....................................................................................................................... الدولة الوطنية 70 ............................................................ أولً: خطاب الراديكالية وبناء الهوية الشمولية 78 ................................................... ثانيًا: مسار التحول نحو الراديكالية: دراسة حالت الفصــل الرابــع: التحــول نحــو الاعتــدال: تدشــين مسلســل المصالحــة 101 .............................................................................................................. مع الدولة الوطنية 102 ........................................................ أولً: المراجعات وإعادة صوغ الهوية الحركية 149 ..................... ثانيًا: تموجات النخراط في الممارسة السياسية: الندماج الحذر الفصــل الخامــس: مــن المعارضــة إلــى المشــاركة فــي الســلطة: تحــولات 203 ...................................................................................................... ما بعد الحراك العربي 204 .................................. أولً: الحركة الإسلامية المغربية في سياق الحراك الشعبي

3

ثانيًــا: مسلســل الإصــ ح الدســتوري: بيــن الثوابــت المرجعيــة 213 والبراغماتية السياسية ........................................................... . الفصــل الســادس: تداعيــات الانتقــال مــن المعارضــة إلــى تدبيــر 233 ........................................................................................................... السياسات العمومية 234 ......... أولً: أولويات البرنامج النتخابي: من الهوياتية إلى السياسات العمومية 244 ............................................. ثانيًا: النتائج النتخابية: قراءة في دالت التحولت ثالثًــا: تحديــات الفصــل الوظيفــي بيــن الدعــوي والسياســي: جدليــة 263 .................................................................................... المتغير التابع والمتغير المستقل 275 ................................................................................................................................. خاتمة 283 .......................................................................................................................... بيبليوغرافيا

مقدمة وصــل حزب العدالة والتنمية إلى قيادة الحكومة المغربية لأول مرة في تاريخه، . 2011 بعد فوزه بالنتخابات التشــريعية للخامس والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني والتي جاءت في سياق إقليمي متسم بالحراك الشعبي الذي شهده العديد من البلدان على " فبراير 20 حركة " العربية، وســياق محلي متسم بالدينامية السياسية التي أحدثتها المشهد السياسي المغربي. ؛ شــكّل لحظة 2011 تبوّء الحزب للمرتبة الأولى بالنتخابات التشــريعية لســنة فارقة في تاريخ مشــاركته السياســية، التي مرّت عبر سلسلة من المراحل، بدأت أولى بداية " الشبيبة الإسلامية " بوادرها عندما انفصل قادة وأُطر الحزب الحاليين، عن تنظيم الثمانينات من القرن الماضي. بعد أن ظهرت نزعة التشدد والتطرف بالممارسات التي عبد الكريم " أقدمت عليها بعض قيادات الشبيبة الإسلامية وعلى رأسهم زعيم الحركة ، إلى حدود 1975 ، ســنة " عمر بن جلون " ، منذ اغتيــال المناضل التحادي، " مطيــع ، معلنة عن خط الجهاد كسبيل للتغيير الجتماعي 1981 سنة " المجاهد " صدور مجلة والسياسي لدى الحركة. بمعيّة مجموعة من الشباب عن تبرّئهم من " عبد الإله بنكيران " إزاء ذلك، أعلن ، عبد الكريم مطيع، ومن الخط السياسي " حركة الشبيبة الإســ مية " تصرفات مرشــد ، تحت اســم 1981 ، فاتجهوا نحو إنشــاء تنظيم حركي جديد، ســنة ((( الذي تعتمده ، التي أعلنت في أول بيان لها عن جملة من المبادئ والتوجهات، " الجماعة الإسلامية " 23 إلى يوم 1980 سبتمبر/أيلول 23 بعد خروجه من العتقال الأول الذي امتد لثلاثة أشهر، ما بين ((( ، بيانًا نُشر بجريدة " عبد الله باها " بمعية " عبد الإله بنكيران " ، أصدر 1980 ديسمبر/كانون الأول ، وأُعيد نشره بكل من جريدة الشرق الأوسط والوطن 1982 يناير/كانون الثاني 7 الميثاق، بتاريخ عبد الكريم " ومرشدها " حركة الشبيبة الإسلامية " القطيعة التنظيمية مع " العربي، معلنًا من خلاله عن ، حتى يعرف رجال الأمن أل " عبد الكريم مطيع " ، فضً عن تبرّئه من ممارسات بعض أتباع " مطيع صلة للشباب بما يوزعه مطيع وما يتبناه من مواقف معادية للنظام الملكي، وإعلانه للثورة والعمل ، " المسلح للإطاحة بالنظام، فكان لهذا البيان أثر كبير في التخفيف من المعاناة التي طالت الشباب ، (الرباط، طوب 2 ، ج ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية انظر: الأمين بوخبزة، في: بلال التليدي، . 35 )،ص 2008 بريس،

5

أولها نبذ العنف وتجنب العمل السري والنفتاح على المجتمع والدولة. شهدت بذلك مرحلة الثمانينات على بلورة خطاب نقدي لدى الحركة، قائم على ، كان " حركة الشبيبة الإسلامية " مراجعة التوجهات الفكرية والتنظيمية التي تقوم عليها من أبرز مخرجاتها في تلك الفترة: رفض العنف كآلية للتغيير السياسي والجتماعي، وتجنب الصطدام بالســلطة السياســية، والسعي نحو إقرار الشــرعية القانونية لحركة ، بينما احتفظــت الحركة بالخط الدعــوي القائم على تحكيم " الجماعــة الإســ مية " الشريعة كمصدر للتشريع، والدعوة إلى نبذ النحراف الديني داخل المجتمع. بعد أن شكّلت مرحلة الثمانينات مرحلة للتأصيل النقدي، والمراجعات التنظيمية والفكرية، وذلك في سبيل كسب الثقة من طرف السلطة السياسية، جنحت الحركة مع بداية التسعينات نحو البحث عن موطئ قدم داخل الخريطة الحزبية بالمغرب؛ فالهاجس السياسي ظل مطروحًا من قبل قادة وأطر الحركة؛ خلال النقاشات والحلقات التعبوية الدَاخلية، التي كانت من ثمارها، بروز توجه يروم النفتاح على العمل السياسي، وذلك من خلال طرح ثلاث صيغ للمشاركة السياسية: إما التوجه نحو تأسيس حزب سياسي، إذا ما اســتُنفدت جُلّ الســبل " جماعة ضغط " أو النخراط بحزب قائم، أو لعب دور للمشاركة الحزبية. الإصلاح " إلى اسم " الجماعة الإســ مية " بالموازاة مع تغيير اســم الحركة من ، كتتويج لمسار من المراجعات والتحولت الطارئة على بنيتها 1992 ، سنة " والتجديد التنظيمية وهيكلتها الفكرية خلال فترة الثمانينات، ستتجه أطر الحركة نحو تقديم طلب ، وهو الطلب الذي قوبل برفض " التجديد الوطني " لتأسيس حزب سياسي تحت اسم من قبل الســلطات الإدارية بمدينة الرباط، بداعي مخالفة القانون الأساســي للحزب للمعايير والضوابط القانونية، فكان البديل هو البحث عن ســبيل للانخراط في تنظيم سياسي قائم. فتحت الحركة قنوات للتواصل والحوار مع العديد من قادة الأحزاب السياسية؛ " حزب الشورى والستقلال " ثم " حزب الستقلال " سليلة الحركة الوطنية، في مقدمتهم ، وهو ما تعذَر معه الوصول إلى نتائج لتأمين " حزب التحاد الوطني للقوات الشعبية " و عمليــة الندمــاج الكلي للحركة بهذه الأحزاب قبل أن تتوصل إلى اتفاق مع الدكتور ، الرجل المقرّب من القصر الملكــي، والأمين العام لحزب " عبــد الكريــم الخطيب " الحركة الشــعبية الدستورية الديمقراطية آنذاك، بعد سيرورة من النقاشات والحوارات

6

الداخلية، التي تكلّلت في نهاية المطاف باندماج رسمي لأطر وقادة الحركة بالحزب في . وهو الندماج الذي كان مشروطًا من قبل الدكتور 1996 مؤتمر استثنائي نُظّم صيف ، بثلاثة عناصر أساسية، وهي: الإسلام؛ والملكية، ونبذ العنف. " الخطيب " شــكّل اندماج قادة وأطر الحركة بالعملية السياســية، مرحلة مفصلية في معالم التحولت الطارئة على توجهات وممارســات الحركة، عبر النتقال من حركة دعوية هويّاتية إلى فاعل سياســي وظيفي من داخل المؤسســات الرسمية، والذي كانت من أبرز تجلياته حصول العديد من أعضاء الحزب على مقاعد برلمانية بمجلس النواب، الحركة الشعبية " التي خاضوها باســم حزب 1997 بعد النتخابات التشــريعية لســنة ؛ وهو ما دشّن مرحلة جديدة في تاريخ أعضاء وأطر الحركة، " الدستورية الديمقراطية الذين بدؤوا بالتمرس على الممارســة التشريعية والختلاط بالمشهد السياسي وبباقي الفاعليــن السياســيين، بكل مــا يعني ذلك من تأثير في أشــكال تعاطيهم مع القضايا الجتماعية والسياســية والقتصاديــة العامة، خصوصًا أن عملية الندماج السياســي للحركة توازت مع مرحلة النفتاح على المعارضة اليســارية، التي قادت إلى تشــكيل ، التي حملت 1996 حكومة التناوب التوافقي، وأيضًا مراجعة الوثيقة الدســتورية، سنة جملة من التعديلات والمستجدَات الدستورية، توافقًا مع المطالب التي تضمنتها بعض مذكرات أحزاب الكتلة الديمقراطية. التوحيد " أيضًا سنة مفصلية مع تأسيس حركة جديدة تحت اسم 1996 كانت سنة رابطة المســتقبل " مع حركة " حركة الإصلاح والتجديد " نتيجة اندمــاج " والإصــ ح والتي كانت عبارة عن تجميع لعــدة جمعيات، بعضها من بقايا الأعضاء " الإســ مي تتويجًا لمسارين 1996 عرفت سنة " السابقين للشبيبة الإسلامية في إطار واحد. هكذا، اندماجيين منفصلين؛ أولهما سياسي/حزبي، والثاني دعوي/حركي، نتج عنه ازدواجية في المؤسسات ستطبع تجربة الإسلاميين المغاربة طوال الفترة المقبلة، مع بروز ثنائية . ((( " وطبيعة العلاقة المفترضة بينهما " الدعوي والسياسي " ؛ " حزب العدالة والتنمية " توالى الصعود النتخابي لأطر وقادة الحركة من داخل مركز الجزيرة ، " الإسلاميون المغاربة وفشل النتقال لما بعد الحركة الإسلامية " محمد الكوخي، ((( https :// bit . :) 2018 فبراير/شباط 16 ، (تاريخ الدخول: 2018 فبراير/شباط 1 ، للدراسات . ly / 30b1Anw

7

، خلال المراحل ((( " الحركة الشــعبية الدســتورية الديمقراطية " الســم البديل لحزب ، حيث رفع الحزب من عدد ممثليه داخل 2002 النتخابية الذي شهدها المغرب سنوات 2002 مجلس النواب خلال النتخابات التشريعية للسابع والعشرين من سبتمبر/أيلول مقعدًا، 46 إلى 2008 مقعدًا، والنتخابات التشريعية للسابع من سبتمبر/أيلول 42 إلى قبل أن يتوج تطور مساره النتخابي خلال النتخابات التشريعية للخامس والعشرين من مقاعد. وهي النتخابات التي شكّلت 107 بحصوله على 2011 نوفمبر/تشرين الثاني منعطفًا مميزًا في مسار الحزب؛ نظرًا لما شكّلته لحظة الحراك الشعبي العربي بالعديد 20 حركة " مــن البلدان العربية، والدينامية السياســية والجتماعية التي صاحبت بروز على المستوى المحلي، من تداعيات على المشهد السياسي المغربي. " فبراير ، 2011 الحكومة المغربية التي أفرزتها تشــريعيات " حزب العدالة والتنمية " قــاد وبتحالف مجموعة من الأحزاب السياسية، التي يتعارض " عبد الإله بنكيران " برئاســة ، " حزب العدالة والتنمية " بعــض منها في مرجعيّاتها ومنطلقاتهــا المذهبية مع مرجعية الذي يمثّل جل قياداته الجيل المؤسّس للتجربة الحركية الإسلامية في المغرب. وبدأ الســؤال عن كيفية المواءمة ما بين تدبير الشــأن العام وبلورة السياســات العامة من داخل الحكومة، وبين المرجعية الإســ مية وقضايــا الهوية التي يحتكم إليها الحزب في أيديولوجيته. في العموم؛ يؤدي استقراء هذا المسار المطَرد الذي مرّت منه الحركة الإسلامية ، إلى حدود الندماج في العملية السياسية، " حركة الشــبيبة الإســ مية " المنفصلة عن بلوغًــا عند لحظة قيادة الحكومة، إلــى أن النتقال من المرجعية الراديكالية الصدامية ؛ ونشأت عليها أغلبية قادة الحزب حاليّا، إلى " حركة الشبيبة الإسلامية " كما أسست لها المرجعية العتدالية بكل ما يعني ذلك من الندماج في الشرعية القانونية، وتبني اعتدالية الطرح في التصورات والممارسات والسلوكات السياسية. أي إن هناك تحولت عديدة جرت تحت جلابيب الحركة الإســ مية المغربية، ولعل المســافة الزمنية الفاصلة ما حركة الشبيبة " ، ممثًّ في 1969 بين ظهور أول تعبير عن المرجعية الإســ مية، ســنة ، وهي المدة التي انتهــت فيها الولية الحكومية 2016 ، إلى حدود ســنة " الإســ مية ، على عقد مؤتمر 1999 ، سنة " الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية " أقدمت الأمانة العامة لحزب ((( كاسم " العدالة والتنمية " وطني للحزب، بغية تغيير اسمه الذي تُوّج بعد نقاش مستفيض بإقرار اسم بديل للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية.

8

الأولى لحزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة المغربية، هي مسافة كافية لتقييم كنه هذه التحولت والســياقات التي تولَدت عنها، ومخرجاتها سواء على مستوى الهيكلة التنظيمية للحركة أو على مســتوى ممارســاتها السياســية؛ إذ بات واضحًا أن دخول في المغرب خلال العقود الثلاث الماضية في دينامية التســييس، الحركة الإســ مية والمشــاركة النتخابية ثم الممارســة البرلمانية، قبل أن تتولى قيادة الحكومة المغربية، بمــا يقتضي ذلك من الســتناد إلى معيار المصلحــة والخضوع إلى إكراهات التوافق وموازيــن القوى، كان له تأثير بالغ على مســتوى الخيــارات والمواقف والمرجعيات الأيديولوجية للحركة؛ مما أفضى إلى بروز نزعة براغماتية في الممارسة السياسية لأطر وقادة الحركة، نتج عنه مع توالي الســنوات، التراجع عن النزعة الأيديولوجية القائمة على المرجعية الإسلامية، وتبني خيارات واقعية بما تقتضيه المصلحة السياسية. فقــد كانت المفاهيم الرئيســة التي قامت عليها الحركة في بداياتها التأسيســية، يغلب عليها النزعة الأيديولوجية الدينية من خلال الســتناد إلى قاموس هوياتي يمتح الإسلام هو " ، و " إقامة الدولة الإسلامية " من المرجعية الإســ مية مشروعيَته، من قبيل . بيد أنه مع عملية المراجعات التي دشنتها " إنزال الشريعة " و " القرآن دستورنا " ، و " الحل الحركة بداية الثمانينات، ثم تأثير الممارســة السياسية من داخل المؤسسات السياسية الدســتورية، انتقلت الحركة تدريجيّا إلى تبني قاموس مفاهيمي، يمتح من مرجعيات . " الإصلاح السياسي " ، و " الدولة الوطنية " ، و " الديمقراطية " الحداثة السياسية من قبيل على ضوء ذلك، تســعى هذه الدراســة إلى رصد تحولت الحركة الإســ مية المغربية، من خلال النطلاق من ســؤال رئيس: كيف تؤثر الممارســة السياسية على البنية التنظيمية والأيديولوجية للحركة الإسلامية؟ ولماذا كلما ازداد انخراط واحتكاك أطر وقادة الحركة الإسلامية في الممارسة السياسية والمؤسساتية ابتعدوا تدريجيّا عن أيديولوجيتهم وأفكارهم وتصوراتهم التقليدية؟ فمسار الحركة الإسلامية قيد الدرس لم يكن مسارًا خطيّا، بل كان مسارًا مطردًا خاضعًا إلى منعرجات وسياقات متقلبة، عبر النتقال من حركة دينية بمرجعية هوياتية، تقدم نفسها كبديل للوضع السياسي القائم عبر نهج سلوك التغيير السياسي، إلى حركة شبه سياسية تمزج بين مجال الدعوة ومجال السياسة، إلى حزب سياسي خاضع إلى قواعد الممارســة السياســية البراغماتية. وهو مســار فرض على الحركة التكيف مع متغيــرات الظرفية الجتماعية، والبيئة السياســية القائمة بهــدف النخراط في العملية

9

السياســية. لهذا، كلما زادت درجة النفتاح السياســي زاد حجم انخراط الحركة في الممارسة السياسية، مستفيدة من حجم الفرص السياسة المتاحة أمامها، من أجل تعزيز حضورها السياســي والجتماعي. وكلما تعزز هذا الحضور السياسي داخل مؤسسات الدولة، تنســاق الحركة نحو تعديل مواقفها والتخفّف من ثقل مرجعياتها وتصوراتها الأيديولوجية بما يتوافق مع موقعها داخل المؤسسات السياسية، والتزامها بالديمقراطية ونبــذ العنف والعتــدال في الطرح والقبول بالتعدديــة، والنخراط في تحالفات مع تنظيمات وأحزاب سياســية أخرى، بما تمليه السياقات ومتطلبات الممارسة السياسية البراغماتية. وعليه، بما أن أي تعبير سياســي أو خطاب أيديولوجي هو وليد للســياقات التي أفرزتــه، وبالتالــي ل يمكن فصله عن البيئة السياســية والجتماعية والقتصادية التي أنتجته، يتجه الســؤال رأسًــا نحو البحث عن ظروف نشــأة هذه الحركة الإســ مية، وســياقات إنتاج خطابها السياســي، وبناء هويتها الجمعية، وبالتالي الســتقصاء عن الجذور الفكرية والجتماعية والثقافية التي استمدت هذه الحركة منها وجودها، حتى يتسنى فهم واستيعاب ممارساتها الراهنة. فَمَــنْ هؤلء الذين أسســوا الحركة الإســ مية فــي المغرب؟ ومــا خلفياتهم الأيديولوجيــة والجتماعية؟ وهل نشــأت الحركة الإســ مية كرد فعــل على الواقع السياسي والقتصادي لدولة ما بعد الستقلال أم هي انعكاس لنظيرتها من الحركات في المشرق العربي؟ كيــف تطورت هذه الحركة؟ وما المتغيرات التي أســهمت في ســيرورة تحول خطابها السياســي والدعوي لتكون ما عليه راهنًا؟ هل ل يزال قادة الحركة متمســكين ببناء الدولة الإسلامية وإنزال الشريعة؟ أم أن ممارساتهم السياسية واحتكاكهم المباشر بالعمل المؤسساتي جعل تصوراتهم وتمثلاتهم أكثر واقعية وبراغماتية؟ كيف كان انعكاس تدبير الشأن العام لأطر وقادة هذه الحركة من داخل مؤسسة الحكومة على مستوى خطابهم السياسي؟ هل أدى اختبار تدبير الشأن العام من خلال رئاسة الحكومة إلى تغيير مدركاتهم السياسية وتعديل مرجعياتهم الأيديولوجية؟ في محاولة للإجابة عن التســاؤلت الســابقة، تنظر هذه الدراســة إلى الحركة الإســ مية كحركة اجتماعية وسياسية، وليدة لشــروط اقتصادية واجتماعية وسياسية، وبالتالــي فعملية التكيف والتفاعل مع هذه الشــروط المنتجــة لها تفتح المجال نحو

10

حــدوث تحولت وتغييرات فــي المرجعيات والمنطلقات التي تأسســت عليها هذه الحركة بشكل مطَرد ومتعاقب. وبنــاء عليه، تفترض هذه الدراســة أن الحركة الإســ مية في المغرب نشــأت كحركة هوياتية، مرتبطة بالســياقات والظرفية الجتماعية والقتصادية والسياسية، التي مبني على Collective Action تولّدت عن دولة ما بعد الستقلال؛ فهي عمل جماعي ، تشــكّلت كــرد فعل على إخفاق عملية التحديث Collective Identity هوية جمعية القسري لدولة ما بعد الستقلال. وأنه كلما ازدادت بنية الفرص السياسية التي يوفرها النظام السياســي للحركة الإسلامية بالندماج في المجال العام الرسمي، زادت فرص اعتدالية أيديولوجيتها. وكلما انخرطت الحركة الإســ مية في العمل السياســي، وقع تحول في بنياتها التنظيمية وممارســاتها السياسية وأطرها الفكرية. وعليه، تجادل هذه الدراســة بكون الخطاب الأيديولوجي لهذه الحركة هو متغير تابع للممارسة السياسية وتداعيات الســياقات السياســية والجتماعية والقتصادية على البيئة الداخلية للحركة كمتغير مســتقل. فالنخراط المتدرج في الشأن العام، والمشاركة في العملية السياسية المؤسســاتية، ثم الوصول إلى رئاســة الحكومة، كلها عوامــل ومتغيرات لعبت دورًا بارزًا في مراجعة أطر وقادة الحركة، للكثير من مقولتهم المرجعية ولنظرتهم لذاتهم التنظيمية، ولدورهم داخل العملية السياسية. وفــق ذلك، ينتج عن مشــاركة الحركة فــي العملية السياســية والحياة الحزبية والمنافســة النتخابية، ديناميات داخلية وتغييرات فــي زوايا النظر، عبر فرز تقديرات تســتحضر حســابات المكاســب والخســائر في أهداف الحركة، يجعل هذه الأخيرة عرضة للتحول والتغير والتطور، في بنيتها الأيديولوجية وممارســاتها السياسية. فكلما اندمجت الحركة في بيئتها السياسية توجهت نحو تبني الخيارات الديمقراطية، والتخلي عن مرجعياتها التقليدية. وعليه، فهذه الحركة بدأت كحركة هوياتية تسعى إلى استعادة الذات الإسلامية، ثم تحولت إلى فاعل سياسي يعبّر عن نفسه في إطار حزب سياسي، يســعى إلى تبني مبــادئ التحديث، والعمل في إطار الدولة الوطنية وفق تشــريعاتها وتنظيماتها ومؤسساتها العصرية. وهو ما يؤدي بنا إلى طرح سؤال منهجي؛ حول الكيفية التي يمكن معها استقراء تحولت الحركات الإسلامية، وفق ما يوفره لنا المخزون السوسيولوجي من مقتربات نظرية في تحليل وتفسير عمل الحركات الجتماعية.

11

فقد دفعت المحاولت المتكررة لفهم بنية تشــكل واســتمرار وتحول الحركات الجتماعيــة، الكثيــر من الدراســات الغربية إلى الجمع بين أكثــر من مقترب نظري والدمج والتركيب فيما بينها، قصد تحقيق فهم أكثر شمولية ودقة للحركات الجتماعية المعاصرة. لهذا، ســتتجه هذه الدراســة إلى العتماد على أكثر من مقترب نظري في دراسة تحولت الحركات الإسلامية. على أساس أن يشكّل هذا الجمع تكامً نظريّا وإضافة نوعية، بناء على ما تشــكّل وتأسّس من نظريات سوسيولوجية في هذا الباب، لفهم أكثر موضوعية وأكثر دقة للحركات الإسلامية في المغرب. لهذا، نجد من الأهمية بمكان ومن المفيد والأجدر أن تتم دراســة الحركات الإســ مية في ســياق نظريات الحــركات الجتماعيــة، وذلك للفائدة التي قد تقدمها هــذه النظريات في فهم طبيعة . ((( هذه الحركات والأدوار التي تقوم بها داخل محيطها وبناء عليه، في معرض البحث عن الســياقات التي ظهرت فيها القطيعة النقدية، التي أحدثها الفاعل الإســ مي محطّ دراســتنا مع مرجعياته السابقة، يثار سؤال حول الدوافــع والمحفزات وأيضًا المعاني التي خلعها علــى الأفكار الجديدة التي أفضت إليهــا عمليــة التحول؟ فكان الجواب متمركزًا حول الوحــدات التحليلية التي توفرها أطر تحليل الحركات الجتماعية، وخصوصًا في مفهومي تحول بنية الفرص السياسية وتحول إطار الفعل الجماعي. فهناك علاقة سببية بين إدراك الفاعل الإسلامي لبنية الفرص السياسية التي تتاح أمامه، بناء على التحولت التي طرأت على النظام السياسي، وتغيير ممارساته السياسية، التــي أثّرت بدورها على تكييف مواقفه ومرجعياته الأيديولوجية مع الواقع السياســي القائم. كما أن وصول الفاعل الإسلامي إلى المشاركة في تدبير الشأن العام من خلال المؤسســات الدســتورية، كان له انعكاســات على التزاماته بمرجعياته الأيديولوجية ومنطلقاتــه الفكريــة. في الحالة الأولى، وجدنا أن مخرجــات عملية التحليل تتوافق مــع مــا يقدمه مقترب بنية الفرص السياســية، الذي يركز بدرجــة أولى على العلاقة (1) Kniss, F. and Gene, B, " Religious Movements, " In The Blackwell Companion to Social Movements, ed. David Snow, Sarah Soule, and Hanspeter Kriesi (Malden: Blackwell Publishing, 2007), p. 701.

12

. ((( القائمة ما بين الحركات الجتماعية، وبيئتها المحيطة بها خصوصًا البيئة السياســية فالفرصة السياســية هي عبارة عن قدرة الحركة على التكيف مع التغيير الحاصل في البيئة السياسية، بما يمكّنها من تحقيق شرعية وجودها وإبراز كينونتها. فوفقًا لمفهوم الفرص السياســية، يعتبر صعود الحركة الإســ مية التي تدرســها هذه الدراســة، عبر النتقال من الراديكالية نحو البحث عن ســبل للمشاركة السياسية في المجال العام الرســمي، جاء بناء على اســتغلال التغير الحاصل في بنية الفرص السياسية المتاحة أمامها، والتكيف مع التحول الطارئ في بيئة النظام السياسي القائم. وهو ما يُســمى بـ(نوافذ الفرصة) التي تشــجّع التيارات والحــركات المجتمعية على تشــكيل ذاتها، أو إتاحة الفرصة للفاعلين المجتمعيين بالنضمام إليها، والنخراط في أنشطتها. وبالتالي، هذا المنظور يتيح مداخل تفسيرية لمقاربة النشأة والتطور الحاصل لــدى الحــركات، من خلال تمدد أو تقلص الفرص التي تتيحها البيئة السياســية التي . ((( تنشط بها بيد أن النظر إلى التحول الحاصل لدى الفاعل الإسلامي، عبر تعديل الممارسات وتغير الأهداف واستراتيجيات العمل، ثم القيم والمبادئ الراسخة والمفاهيم المؤطّرة للعمل السياســي، دفع إلى النظر لممارســة الفاعل الإسلامي من زاوية نظرية مكمّلة لمقترب بنية الفرص السياسية، من أجل المساهمة في تفكيك تداعيات انخراط الفاعل الإســ مي في العملية السياسية، مســتلهمًا تغير الفرص السياسية المتاحة أمامه، على المســارات السياسية التي اتخذها في طريقه للاعتدال، وعلى المرجعيات والتصورات والأفكار التي تؤطّر عمله في الميدان السياســي، وهو مقترب تأطير الفعل الجماعي، الذي يساعد على استجلاء واستقصاء المحفزات والمسببات والعوامل، التي تؤدي إلى تأثير تفاعل الفاعل الإسلامي مع العمل السياسي، على أفكاره وعلى أفعاله السياسية والجتماعية. كمقترب نظري في حقــل الحركات الجتماعية، Frame انبثــق مفهــوم الإطار للإشــارة إلى المخططات التفســيرية التي تســمح للأفراد بتحديد وإدراك وتســمية " (1) Ziad Munsonn, " Islamic Mobilization: Social Movement Theory and the Egyptian Muslim Brotherhood " , The Sociological Quarterly , Vol 42, n° 4. (2001), p. 494. (2) Marco Giugni, " Political Opportunities: From Tilly to Tilly " , Swiss Politcal Science Review , n° 15, (2009), https://bit.ly/35NUpCI.

13

الأحــداث فــي فضاء حياتهــم اليومية والعالم عمومًا، وتســهم فــي توجيه أعمالهم بإعطاء " ، علاوة على ذلك، يسمح مقترب تحليل أطر الفعل الجماعي، ((( " وتفاعلاتهم معنى وتفســير الأحداث والظروف ذات الصلة، وذلك لحشد المناصرين والمشاركين . ((( " المحتملين ولكسب تأييد الجمهور والتعبئة المجتمعية ففي العملية التي صاحبت مسار التحول لدى الحركة الإسلامية بالمغرب، حسب المعطيات الميدانية المتحصّل عليها، يلاحَظ أن الحركة شــهدت العديد من العقبات والتحديــات، في خضم تفاعلها مع العملية السياســية خصوصًــا ما يتعلق بمرجعيتها الأيديولوجيــة. وهو ما دفعها إلى البحث عن حلول واســتراتيجيات للمواجهة، حتى تستمر في ضمان شرعية وجودها. فكان الخيار هو تكييف أيديولوجيتها مع متطلبات كل سياق على حدة، والدفع نحو تبني خطابات تراجع المنطلقات والأسس التي بنت عليها مرجعيتها السياســية والفكرية. هذا المســار يقدم وحدات تحليلية نجد تجلياتها في مقترب تحليل إطار الفعل الجماعي، الذي يقوم على ثلاثة عناصر أساسية مرحلية ؛ ويتلخص Diagnostic Framing ومترابطة فيما بينها، متمثلة في: عنصر تحليل الإطار في تشخيص مضمون المشكلة والمواقف التي تعترض مسار الحركة في خضم تفاعلها Prognostic وانخراطهــا في العملية السياســية. ثم هناك عنصر التأطير الستشــرافي ؛ والذي يختصر طبيعة الحلول المقترحة والستراتيجيات الممكنة للتعامل مع Framing ؛ Motivational Framing المشكلة التي تواجهها الحركة، ثم عنصر التأطير التحفيزي والــذي من خلاله تضع الحركة محفزات للبقاء واســتمرار التنظيم، من خلال عملية الذي يغير التصورات والمدركات الســابقة، Frame Transformation تحويل الإطار لدى قواعد الحركة وتوفير خطابات تحفيزية من أجل البقاء. (1) Snow, D. and Benford, R. " Framing Processes and Social Movements: An Overview and Assessment " , Annual Review of Sociology, n° 26, (2000), p. 98. (2) Snow, D. and Benford, R. " Ideology, frame resonance, and participant mobilization " , International Social Movement Research . n° 01, (1988), pp. 197-218.

14

الجذور التاريخية والاجتماعية للحركة الإسلامية المغربية

تفــرض عملية دراســة أية حركة إســ مية، تتبــع المراحل التــي تبلورت فيها كأيديولوجية ومذهب، أي بمعنى آخر كعقيدة سياسية متكاملة، وذلك بتحليل مقولتها وطروحاتها ثم رصد التحولت التي طرأت عليها. أن الحركة الجتماعية تمر بمراحل ((( في هذا الباب، يرى بعض علماء الجتماع ، مرورًا " القلق الجتماعي " أربعة قبل أن تصل إلى مرحلة التنظيم، فهي تبدأ أولً بظهور ، مع الأخذ " التنظيم " انتهاء بمرحلة " مرحلة التشــكيل " ، ثم " الإثارة الجمعية " بمرحلة بعيــن العتبــار عدم وجود فواصل وحدود قاطعة بيــن كل مرحلة. ويقصد بالمرحلة الأولى الخاصة بالقلق الجتماعي وجود حالة من عدم التوازن في المجتمع مما يؤدي الإثارة " إلــى حالة من القلق الجتماعي، التي تؤدى بدورها إلى المرحلة الثانية وهي بمعنى تحريك الأفراد، واســتثارة دوافع وأفكار جديدة تزيد من حالة التبرم " الجمعية الموجودة، في هذه المرحلة تعمل على إعادة تقييم الأساليب والأفكار التقليدية القائمة والحث في المقابل على إيجاد أساليب جديدة في العمل والتفكير، أي إن عمق الإثارة الجمعيــة يؤدي إلى خلق مفاهيم ومعتقــدات جديدة عند الأفراد تحركهم نحو أدوار اجتماعية، إل أن هذه المرحلة تحتاج إلى وجود ميكانيزمات أخرى حتى تأخذ الحركة الجتماعية شكل التنظيم. للتحــولت التي طرأت على " براديغم تحليلي " لهــذا، لــن تكتمل عملية بنــاء الحركة الإســ مية بالمغرب من دون الوقوف على الأســباب الرئيســة والعميقة التي كانت وراء نشأة هذه الحركة، وتحديد الظروف السياسية والجتماعية والثقافية (خلال كانت سببًا مباشرًا في تشكل " فترة الســتينات والســبعينات من القرن الماضي)، والتي ، (القاهرة، مركز المحروسة للنشر والخدمات الدولة والحركات الإسلامية المعارضة هالة مصطفى، ((( . 55 )،ص 1996 الصحفية والمعلومات،

15

. ((( " نظرية سياسية واجتماعية تنادي بالإسلام حّ لكل مشاكل العصر من وجهة نظرها أولً: سياق النشأة وإرهاصات التشكل: في إعادة تأصيل الظاهرة لمــاذا يســاند بعض الناس الحــركات الدينية؟ ولماذا ينتمــي بعضهم لحركات إســ مية في مجتمعات يعتبر الإســ م دينها الرســمي؟ هذه بعض التســاؤلت التي . Islamology بعض الباحثين في حقل الإسلامولوجيا – ول يزال يثيرها – أثارها فالحركة الإسلامية شأن الحركات الجتماعية والسياسية؛ لها مسبّبات نتجت عن ميلادها ومحفزات لنتشارها ومسارات لتشكلها سواء على مستوى الخطاب المؤسّس لأيديولوجيتها، أو على مستوى الأطر المؤسّسة لتنظيماتها. لهذا، تحتم الدراسة النبش الأركيولوجــي فــي تاريخ ظهور الحركات الإســ مية بالمغرب، ليس إعادة لأحداث تاريخية ووقائع تم تناولها في دراســات ســابقة بغير قليل من الدقة والتركيز، ولكن بهدف دراســة الســياقات والخلفيات القتصادية والجتماعية والسياســية والتاريخية الدافعة لهذه النشأة. . الستعمار وأزمة المجتمع التقليدي: بروز المطلب الهوياتي 1 لقد ظهرت أولى التعبيرات الحركية الإســ مية كتوجه سياســي قائم الذات في المغرب، مع أواخر الســتينات وبداية الســبعينات قبل أن تنتشــر بشــكل واسع بداية . ((( الثمانينــات من القرن الماضــي، وإن كانت جذورها تعود إلى أبعد من ذلك بكثير فالواقع السائد آنذاك كان يحيل على مجموعة من التغيرات البنيوية سواء على مستوى المؤسسات المجتمعية، أو على مستوى المؤسسات السياسية، في بلد خارج لتوّه من نير الستعمار. بما يعني ذلك من استلاب الإرادة الشعبية والإدارية من قبل مؤسسات المستعمر، المدفوعة بقوة عسكرية وثقافية؛ الأمر الذي خلّف شرخًا في الهوية المحلية القائمة على العقيدة الإســ مية، وما تمثله من شعور ديني، يزكّي الإحساس بالنتماء لثقافة وتقاليد الوطن التاريخية التي تتعارض كلية مع ثقافة المستعمر الواردة قسرًا. لهــذا، لعبــت الهوية الإســ مية المغربيــة دورًا بارزًا في التعبئــة للكفاح ضد . 11 و 10 )،ص 2006 ، (بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، الإسلام الحركي عبد الرحيم بوهاها، ((( ، (الدار البيضاء، 1 ، ط المغرب المعاصر: الخصوصية والهوية..الحداثة والتنمية محمد عابد الجابري، ((( . 76 )،ص 1988 المركز الثقافي العربي،

16

الســتعمار، واستكمال مســار الستقلال خلال حقبة الســتينات من القرن الماضي. أو ما سمي بنظام الحماية، وتعدد معاقل 1934 و 1912 فالكفاح ضد المستعمر ما بين ، خصوصًا عبر التشبث بالهوية الثقافية ((( المقاومة المنسقة أذكى جذوة النتماء المغربي والجذور الإســ مية للمجتمع التي طالما شــكّلت الدرع الواقية أمام القوة العسكرية للمســتعمر. لهذا، من المهم جدّا الأخذ بعين العتبار دراســة متغير الهوية، لما توفره من قاعدة للمصالح الفردية والمشــتركة، وخريطة عمل للتعامل مع الظروف السياسية فالإســ م باعتباره مخزنًا للإيمان والمعرفة، يسهّل المشاركة في الحياة " والجتماعية؛ . فكيف لعب هذا المتغير ((( " الجتماعيــة ويوفر مصدرًا للتضامن والتحول المجتمعي في استنبات الفعل الجماعي لدى الحركات الإسلامية؟ أ. نظام التضامنات في البنيات الجتماعية التقليدية يلاحَظ من خلال تتبع التحولت السوســيولوجية العميقة التي عرفها المغرب؛ سواء خلال حقبة الستعمار أو خلال الفترة التي تلت ذلك، التأثير البالغ الذي خلّفه التدخل الســتعماري في تشــكيل وإعادة تشــكيل منظومة القيم وسلوك الأفراد تجاه المؤسســات الرســمية لدولة الستقلال، اســتجابة للتغيرات الديمغرافية، والحضرية، والقتصادية والسياسية التي عرفها المغرب إبان تلك الحقبة من تاريخه المعاصر. وهو ما يستعيض عن التعاطي التجزيئي للعوامل المؤسّسة للفعل الحركي الإسلامي، والتي تهمل كثيرًا تأثير العوامل الجتماعية والقيمية في تفسيرها لنشأة الحركات الإسلامية، مما يحتم دراسة الظاهرة في سياقها التاريخي. فبــزوغ مطلــب الدولة الإســ مية؛ كإطار تعبــوي قامت بالترويــج له الحركة الإســ مية بالمغرب خلال أواخر الســتينات وبداية السبعينات، والذي شكّل المرجع الأســاس لفعلها الجماعي، هو وليد وضع اجتماعي وسياسي رافض للواقع الحاضر. لكن الســؤال الذي ينطرح هنا هو: كيف يمكن الســتدلل سوسيولوجيّا على الإطار الرمزي الذي أفرزه هذا الوضع وأدى بدوره إلى إنتاج فعل جماعي قائم على مرجعية ، تقرير موضوعاتي، (الرباط، " 2025 تقرير الخمسينية: المغرب الممكن آفاق " المملكة المغربية، ((( . 26 و 25 )،ص 2006 بدون دار نشر، ، ترجمة فهد حسين، (بيروت، مركز نماء للبحوث الإسلاميون والسياسة التركية محمد حقان يافوز، ((( . 29 )،ص 2017 والدراسات،

17

إسلامية؟ وما حدود التأثير الذي تمارسه الخلفية الجتماعية والدينية والقتصادية على إقامة هذا الفعل الجماعي؟ أن نشأة الحركات الإسلامية Fred Halliday " فريد هاليداي " في هذا الباب، يرى ظروف ازدحام " جاء كرد فعل سياسي جماعي على مشاكل حقيقية تعيشها مجتمعاتها: . فمن نتائج الضعف ((( " مدينــي، ودول فاســدة وتأثير وإهانة خارجيتين وتغير ثقافــي الإسلامي تجاه المستعمر الذي كرّسه إخفاق عملية التحديث في ظل الدولة الحديثة الناتجة عن الستعمار، هو حدوث أزمة في الهوية الفردية والجماعية. ونظرًا لأن الإســ م يشكّل نظامًا شــامً للحياة يضم الدين والدولة والشريعة، من هنا، كانت " كان العثور على إطار بديل للشخصية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحي ً؛ فداحة أزمة الهوية حين وُضِع الإسلام في موقع الدفاع عن نفسه أمام القوة العسكرية الغربيــة وتأثيراتها المذهبية...وكانــت النتيجة قيام عملية جدلية متعددة المراحل على ، وصلت في ذروتها إلى تشــكيلة معينة خلال العقد الســابع من ((( " امتداد قرن كامل القرن الماضي متمثلة في تيارات سياسية تحت شعارات وخطابات تمتح من المرجعية الإسلامية ذاتها. فعملية الســتحضار الرمزي للماضي (التراث الديني) والدعوة إلى الرجوع إلى الماضي (من قبيل دولة الخلافة وتطبيق الشــريعة...إلخ)، هي في جوهرها تعبير عن من أبناء البنيــات التقليدية الذين " المجتثين " فئة " رفــض الواقــع الحاضر من طــرف هم الآن بصدد اســترداد ذواتهم التي حطّمها الســتعمار ثم همشــتها الدولة الوطنية، فلــم يجــدوا أمامهم إطارًا بديً غير الإطار الديني والثقافــي إطارًا بديً للتعبير عن . تأسيسًا على ذلك، لم تجد الحركات الإسلامية صعوبة تُذكر في ((( " النتماء والهوية اســتقطابها وتأطيرها لســيما منها أبناء الفئات التي همّشــتها عملية التحديث المبتور وغير الســائر إلى غاية ما يفرضه منطقه الداخلي ســواء في المســتوى السياســي أو " . ((( " الثقافي أو القتصادي ، ترجمة: محمد الإسلام وخرافة المواجهة: الدين والسياسة في الشرق الأوسط فريد هاليداي، ((( . 57 )،ص 1997 مستجير، (القاهرة، مكتبة مدبولي، . 52 و 51 ، مصدر سابق،ص الأصولية في العالم العربي ريتشارد هرير دكميجان، ((( الإسلاميون وقضايا ، في " الإسلام السياسي ومأزق الدولة الحديثة " محمد الكوخي وإبراهيم أمهال، ((( (مجموعة مؤلفين)، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدولة والمواطنة، . 394 )،ص 2016 . 92 )،ص 1994 ، (تونس، دار الجنوب للنشر، لبنات: في المنهج وتطبيقه عبد المجيد شرفي، (((

18

فما الذي أحدثه المستعمر في البنية الجتماعية للمجتمع المغربي؟ كان المغرب يتسم، في بداية القرن المنصرم، بنسبة تمدن ضعيفة جدّا، ل تتجاوز نسبة التمدن في حوالي 1960 في المئة من مجموع السكان. وقد حدّد إحصاء سنة 8 في المئة؛ مما يعني تزايدًا في النمو الطبيعي لسكان الحواضر وأساسًا نتيجة دينامية 29 . إن القراءة العلمية لهذه الأرقام الموزعة على هذا ((( الهجــرة مــن البوادي نحو المدن النحو تطرح عدة أســئلة جوهرية؛ تتعلق بالدور البنيوي الذي أحدثه الســتعمار في 29 في المئة مع دخول المســتعمر للمغرب، إلى 8 عمليــة التحضــر التي انتقلت من في المئة في بداية الســتينات، أي بعد أربع ســنوات من خروجه من المغرب. فالبنية الجتماعية السائدة في مغرب ما قبل الستعمار كانت بنية تقليدية، تقوم على مجموعة من الخصائص ســواء تعلق الأمر بالقيم الســائدة أو فيما يتعلق بشكل وطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع؛ إذ كان التنظيم الجتماعي في المجال القروي يرتكز على تدبير ، والتي كان يُســنَد لها شــؤون " آيت الربعين " و " الجماعة " الشــؤون اليومية من طرف تدبير القبيلة، كما كانت تجسد إرادة الجماعة وتجسد المقاومة ضد الأنانيات الفردية نحو الستبداد الذي كان يبدو لدى قُوّاد بعض القبائل، كما تمثل اللتحام " والمنحى . ((( " ضد التهديدات الخارجية ولطالما شــكّلت الأســرة بدورها صمام أمان للفرد في كل ما يتعلق بالأدوار: الملجأ عند الحاجة " التعليميــة والقتصادية والصحية في حالــة المرض، وكانت هي . ((( " والضرورة وهي التي تقي الفرد ضد مخاطر الحياة فقد عاشت مؤسسة الأسرة في المغرب تحولت دالّة؛ انتقلت من نموذج العائلة الأسرية، إلى نموذج الأسرة " الأَنْوية " الممتدة التي يتساكن فيها عدد من الأجيال ومن التي يتســاكن فيها الأبوان والأبناء فقط، وبرزت أيضًا أشــكال جديدة من " النوويــة " الأسر نتيجة الهجرة وارتفاع نسبة الطلاق وتعقد الحياة اليومية، مثل الأسرة الوحيدة، والعازبات اللواتي يَعُلْنَ أُسرًا، والعازبات اللواتي يسكنّ لوحدهن، وغيرها من أنماط نموذجًا، بين 282 مــن " الأســر التــي حصرها البحث الوطني حول الأســرة في أكثر . ((( " الأسرة البسيطة والمركبة . 32 ص ، المملكة المغربية، تقرير الخمسينية، مصدر سابق ((( . 22 المصدر نفسه،ص ((( . 22 المصدر نفسه،ص ((( (4) Rapport : Famille au Maroc: les réseaux de la solidarité familiale , Haut-Commissariat au Plan du Maroc, 1995, p. 47.

19

أما على مستوى الجماعة، كان التضامن الجماعي يؤدي وظائفه عن طريق عدد ، والتي تشــكّل ذلك التعاون الجماعي في الأنشــطة " التويزة " من المؤسســات، مثل القتصاديــة، وتكفّل القرية بجنازة الميت والهدايا المقدمة من قبل الجماعة بمناســبة ولدة أو زواج، وكلها أشــكال تعبّر عن التضامن التقليدي...وغالبًا ما كانت واردات الأحباس على مســتوى الجماعة تُستعمل لمساندة الفقراء والأشخاص الذين يعرفون صعوبــات وبالتالي تســاعد على بلورة روابط التضامن بيــن أعضاء الجماعة. وكانت مؤسســة الجماعة في المحيط القروي تجسّــد أساسًا إرادة الجماعة وتجسّد المقاومة . ((( ضد الأنانيات الفردية وعلى مستوى آخر؛ فقد مسَ التحول، في الآن ذاته، التراتبيات وأشكال الحركية الجتماعيــة، حيث أدت إلى تبلور طبقات وســطى. هذه الأشــكال الجديدة للتباين وللتراتبية الجتماعية، التي عُرِف تشــكلها في عهد الحماية، ستشــهد بعض التجدد، من خلال الأنماط الجديدة للنشــاط القتصــادي والجتماعي، وقد برزت أولى هذه التشكيلات الجتماعية من خلال ما أفرزته عملية الهجرة والتمدين السريع بفعل عملية الجتثاث التي سهرت على إقامتها منظومة الحماية. هذه اللحظة من تاريخ المغرب، Robert Montagne " روبير مونتانــي " ويرصــد ، حيث Enquête sur le prolétariat marocain بكثير من الدقة في عمله المونوغرافي ، ستستقبل مدن الصفيح كل الذين لم تتمكن الدروب 1930 انطلاقًا من سنة " يورد أنه مــن احتضانهم، وهكذا أصبحت مــدن الصفيح هذه تتوالد في جميع الأماكن. ولكن الإدارة واصلت جمعها وعملت على مركزتها في نقطتين أساسيتين: إحداهما في الحي ، التي أُنشــئت فوق أراضي " بكاريان ســانطرال " الصناعي، وهي المدينة التي عُرفت ، ببنمسيك في أرض تابعة 1932 ، وثانيتهما حوالي سنة 1923 البلدية انطلاقًا من ســنة شــجب اســتمرار مدن الصفيح 1938 يوليو/تموز 8 لأحد الخواص...ورغم أن ظهير قد – الظروف التي ولدتها الحــرب العالمية الثانية – هــذه، فــإن ضــرورات قاهرة وطّدت مؤقتًا هذه الوضعية المعترف بكونها غير مقبولة، وكان في اعتقاد السلطة البلدية ، أن تطور المدينة الجديدة ســيكون ســريعًا بشكل 1942 في بداية الأمر وحتى ســنة يجذب ســكان الدروب البئيســة التي تكاثرت على طول حدود المدينة العتيقة، لكن . 22 المملكة المغربية، تقرير الخمسينية، مصدر سابق،ص (((

20

الحرب (العالمية الثانية) أبطأت البناء؛ مما تســبب في توســع جديد لمدينتي الصفيح . وهكذا ســيرث مغرب الستقلال تقســيمًا طبقيّا قلب النظام التقليدي ((( الموجودتين بتزويده بطبقة اجتماعية حضرية، محرومة ومتنامية بســبب النزوح من البوادي، وبداية مسلســل الهجرة القروية نحو المدينة؛ وســتغيّر هاتان الظاهرتان تدريجيّا المجالين، الحضري والقروي، كما ســتغير التراتبيات الجتماعية بهما. وبذلك، ســينطلق تحول . ((( في ملامح البنيات الجتماعية ب. تأثير النتقال نحو الدولة الحديثة دشّــن دخول نظام الحماية إلى المغرب سلسلة من التحولت المؤسساتية التي كان لهــا تأثيــر بالغ، على البنيات الجتماعية التقليدية للمجتمع المغربي ســواء على مســتوى نظــام التضامن الذي تأســس عليه العيش الجماعي عنــد المغاربة، أو على مستوى منظومة الإنتاج التقليدية التي لطالما ارتبطت بالأرض والزراعة؛ وهو ما يترجم نسبة التحضر الضعيفة التي كانت تسود المغرب إلى حدود بداية القرن العشرين. فقد أحدث الســتعمار الفرنســي آليات إدارية وعســكرية لتمكينه من ممارسة الستغلال القتصادي وثروات المغرب البرية والبحرية؛ إذ من الناحية الإدارية أصدر العديد من القوانين والظهائر التي تسهّل للمعمّرين استغلال الأراضي الصالحة للزراعة، وتجعل الأراضي الجماعية تحت وصاية إدارة المستعمر. وكان للسياســة الســتيطانية التي نهجها المســتعمر عبر إنشــاء الوكالة الشريفة للتعريف بآفاق الســتثمار بالمغرب، دور في وفود أفواج من المعمّرين على المغرب بحجــة الســتثمار مما أدى إلى ارتفــاع عددهم في ربوع المملكــة. وهكذا، هيمن الســتعمار بالمغــرب في عهد الحماية على الأراضــي المميزة بخصوبتها وقربها من شبكته المائية دائمة الجريان، ووظّف فيها أحدث التقنيات، كما حوّل نسبة مهمة من الأراضي المسقية من إنتاج المواد المعيشية إلى إنتاج المواد التسويقية التي كانت تحقق أرباحًا مرتفعة. (1) Robert Montagne, Naissance du prolétariat marocain : enquête collective exécutée de 1948 à 1950, 101. https://bit.ly/2se4fQC. . 15 ، مصدر سابق،ص " تقرير الخمسينية " المملكة المغربية، (((

21

خلّفت هذه الوضعية انعكاسًا سلبيّا على البنية الجتماعية لدى القبيلة المغربية؛ إذ خلخل الســتعمار وضعية أراضي المخزن والأحباس والقبائل، وكوَن المســتعمر ضيعات عصرية اهتمت بالمنتجات التســويقية على حساب المنتجات المعيشية؛ الأمر الــذي خلّف معاناة الفلاحين المغاربة جــرّاء مصادرة أراضيهم من جهة، وجرّاء دفع الضرائب إلى المستعمر (ما سُمّي بضريبة الترتيب) من جهة ثانية، كما كان الستعمار يفرض العمل الإجباري المجاني في ضيعات المعمرين والقواد. وقد أسهمت كل هذه العوامل في تفكيك البنية التقليدية للمجتمع المغربي، التي كانت حتى وقت قريب تقوم على أشكال من التضامن الجماعي وتبعية الفرد للجماعة. فرغم شدة المقاومة التي أبانت عنها القبائل المغربية إل أن الآلة العسكرية للمستعمر الفرنســي كان لديها الكلمة الفصل؛ مما أدى إلى طرد القبائل المهزومة من أراضيها، وإلزام أفرادها بالهجرة القسرية نحو المدن الجديدة. وقد أفضت سياسة الستحواذ هذه على الأراضي، التي واكبتها عملية استصدار قوانيــن متعلقة بملكية الأراضــي وقوانين التعمير إلى تجــزيء الملكيات الجماعية؛ الأمر الذي أدى إلى القضاء على الحاضن الأساس للقبيلة ومعها البنيات الجتماعية والقتصادية والسياسية التقليدية المرافقة لها. وقد عُرفت هذه العملية القسرية بحسب أي تدمير " ، " التدمير من أجل البناء " الباحثين محمد الكوخي وإبراهيم أمهال بسياســة البنيات التقليدية استعدادًا لستبدالها ببنيات أخرى حديثة على النمط الأوروبي، خدمة . ((( " لمشروع الستعمار ذاته ومتطلبات المستعمر في المقام الأول وبالرغم من أن هذه التحولت أدت إلى خلخلة البناء الجتماعي وتفكيك البنى التقليدية وإحلال بنى وعلاقات جديدة، إذ كانت بمنزلة صدمة حضارية على مؤسسات مستأنسة ببنية تقليدية في التدبير إل أن هذه الصدمة لم تستطع إلغاء المحددات النفسية والثقافية للبنى التقليدية التي بقيت تتمظهر في أشكال متخفية. في مقابل انقطاع تلك البنى وتفككها بشكل درامي، عبر التحديث، تعتبر مظاهر الشللية القرابية والعشائرية والطائفية الجهوية، تعبيرات عن ردة فعل اجتماعية محلية " علــى تحطيــم البنية القبلية وهياكلها التي كانت تشــدّ النســيج الجتماعي المحلي؛ . 403 ، مصدر سابق،ص الإسلام السياسي ومأزق الدولة الحديثة محمد الكوخي وإبراهيم أمهال، (((

22

Pierre " بييــر بورديو " . ويؤكد ((( " فالتحديــث فــكَك القبيلة، ولكنه لم يقــض عليها الجتثاث/ " على هذه الفرضية من خلال مصنفهم " عبــد المالــك صياد " و Bourdieu ، فالتحولت الجتماعية التي فرضها المستعمر أدت إلى le Déracinement ((( " القتلاع إحداث أزمات متفاقمة على مستوى النسيج الجتماعي المحلي، سواء في منظومة القيم التي تحكم المجتمع، أو على مســتوى الروابط المتحكمة في العلاقات بين الأفراد. وكل ذلــك جرّاء النتقال الســريع والصادم للمجتمع، من نمــط اجتماعي قائم على العشــائرية والتضامن القبلي إلى نمط من العلاقــات الجتماعية الحديثة القائمة على الفردانية في إطار الدولة العصرية؛ مما أدى إلى تفريغ شحنات الهوية الجتماعية في " بورديو " أشكال أخرى من الهوية الثقافية والدينية؛ الأمر الذي نتج عنه بروز ما يسمّيه بالمجتثين/المقْتَلَعين عن جذورهم الجتماعية والثقافية، الذين قاموا برد فعل " صياد " و جماعي قصد استرداد شخصيتهم الجتماعية التي حطمها المستعمر ثم قامت بتهميشها الدولة الوطنية، فلم يجدوا أمامهم غير الإطار الديني والثقافي كإطار بديل للتعبير عن . ((( النتماء للهوية كيــف ل والإســ م التقليدي ظل عامــل توحيد للقبائل في إطار شــامل وهو ؛ وبعدما وصل المساس بالهياكل القتصادية والجتماعية إلى درجة كبيرة ((( !؟ " الأمة " من العمق، ضعفت القدرة على المقاومة وعند ذلك فقط بدأ التدخل الأجنبي يتغلغل . ((( في المجال الثقافي لتكتمل أبعاد السيطرة Mauric " موريس هاليبواش " ولــم يكــن أمام الأهالي والحالة هاته، وفق مقاربة ؛ إل اســتدعاء الذاكرة ((( " الأطر الجمعية للذاكرة " في عمله الموســوم ب Halbwachs ، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي إبراهيم بوطالب، ((( . 25 )،ص 2009 (2) Pierre Bourdieu et Abdelmalek Sayed, Le Déracinement : La Crise de l ’ Agriculture Traditionnelle en Algérie (Paris Minuit, 1964). ، مصدر سابق. الإسلام السياسي ومأزق الدولة الحديثة أنظر: محمد الكوخي وإبراهيم أمهال، ((( ، (بيروت، مركز دراسات الوحدة المجتمع والدولة في المغرب العربي محمد عبد الباقي الهرماسي، ((( . 17 )،ص 1992 العربية، . 60 ، مصدر سابق،ص صوت الجنوب فرانسوا بورغا، ((( ، ترجمة: درويش الحلوحي، (القاهرة، سوسيولوجيا الدين دانييل هيرفيه ليجيه، جان بول ويليام، ((( . 259 )،ص 2005 المجلس الأعلى للثقافة،

23

الثقافية والدينية، فالظروف الجتماعية والثقافية للحاضر وفَرت البيئة الحاضنة لعملية التي تمثّــل اللّحمة والبنية ذاتها للهوية الجمعية " للذاكرة الدينية " التعبئة والســتدعاء والهوية الفردية، كرد فعل على وضع إحباط اجتماعي وثقافي نسبي؛ مما يسمح ببناء مرجعية الماضي وتحويله إلى سلاح ضد حاضر يواجَه بالنقد أو الرفض. . فشل مشروع التحديث: تبلور المطلب الهوياتي 2 تبينّا سابقًا كيف أن الحماية أدخلت تغيرات بنيوية في الهيكلة التراتبية الجتماعية بالمغرب، تجلّت آثارها الكبرى بعد الســتقلال، على الخصوص؛ في انطلاق حركية التصنيع داخل المجال الحضري والهجرة من البوادي نحو المدن، وتغيير مورفولوجية ، الذي لم ((( المجتمع، وظهور أشــكال جديدة للتراتبيات الجتماعية والتمدن الســريع يكن نموّا قائمًا على تخطيط مسبق، بقدر ما جاء مفروضًا جرّاء النمو المتسارع لعملية الهجرة القروية نحو المدن؛ مما أدى إلى استبدال أشكال التضامن الجماعية التقليدية بتدخل الدولة وسيادة الدولة المعطاء، وبنهج سياسة تحديث تنظيم المجتمع والنشغال بالمركزية والتأطير. وقــد أســهمت الدولة بدورها مــن خلال اتباع النمــوذج القتصادي الموروث بمؤسســاته وقوانينه عن نظــام الحماية، في إضعاف وتهميش المؤسســات التقليدية كالقبيلــة والجماعة قصــد الحتفاظ بها تحت مراقبتها عبر احتــكار التأطير الإداري تقادم المؤسســات التقليديــة للتضامن وخلق " للســكان. وقــد أدى هذا الوضع إلى تدريجيّا تبعية للدولة، بدون أن تعوض أشــكال التضامن المؤسســاتية بشــكل سريع . ((( " وناجع التضامن التقليدي أ. بروز تقليدانية المقتَلَعين لقد عرفت نهاية الســتينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي بالمغرب، أزمة خانقة في المجالت كافة، القتصادية والجتماعية والسياسية والثقافية؛ إذ بدا واضحًا ، التي وقع الختيار عليها في أوائل الستينات " الليبرالية الواقعية " حينذاك فشل سياسة . 10 ، مصدر سابق،ص " تقرير الخمسينية " المملكة المغربية، ((( . 23 و 22 المصدر نفسه،ص (((

24

كاســتراتيجية للتنمية من طرف الطبقة الحاكمة. لقد أدت هذه السياســة إلى تفشــي الفوارق الطبقية، والضغط على الطبقة المتوســطة التي أخذت تفقد بســرعة وضعيتها كطبقة مرشــحة للصعود على الســلم الجتماعي، لتجد نفســها تقترب أكثر فأكثر من وضعية الطبقات المحرومة التي تعيش في ضائقة متزايدة وبالتالي اليأس. 900 ارتفعت نسبة العائلات التي ل يتجاوز دخلها 1970 وسنة 1960 فبين سنة 3000 إلى 900 في المئة، أما فئة الدخل المتوسط (من 17 إلى 9 درهم في الشهر من 3000 بالمئة، بينما فئة الدخل المرتفع (أزيد من 48 إلى 72 درهم) فقد انخفضت من في المئة، فمن الواضح أن نموّا قويّا بين 34 إلى 18 درهم في الشــهر) ارتفعت من الفئتين (فئة الدخل الضعيف وفئة الدخل المرتفع) يتم على حساب فئة مداخل الطبقة . ((( الوسطى ومــن الطبيعي أن يكون شــباب هذه الطبقة مــن المعلمين والموظفين والصغار والطلاب وتلاميذ الأقســام النهائيــة في الثانويات، أكثر الفئــات وعيًا بهذه الوضعية المتدهورة، وأكثر إحساسًــا بالفوارق الطبقية المتزايدة التي أصبحت تشكّل مَعْلَمًا من ينتمي " معالم المغرب المعاصر. وإذا أضفنا إلى هذا أن الطبقة الثرية، التي تزداد ثراء، أفرادها في الغالب إلى الأرســتقراطية المدينيَة التي تشــكّل هيكل الطبقة البورجوازية التقليدية ومنبت الطبقة التقنو-بورجوازية، وأن الطبقة المتوسطة المهددة بالفقر وتزايد ، ((( " الإملاق تنتمي في جملتها إلى الأوساط التي تقع خارج الأرستقراطية المدينية تلك أدركنــا الدوافع الطبقية الخفية التي تجعل الســتجابة ممكنة لكل دعوة إلى التغيير.. خاصــة عندما تســتند هذه الدعوة إلى ما هو حاضر دومًا فــي نفوس ووجدان أفراد الطبقات المتوسطة، نعني بذلك: الدين. فقد كان باديًا أن البديل التحديثي المتمثل في المشروع الوطني القومي العصري بمختلف أشكاله في المجتمعات الإسلامية لم يتمكن من تقديم الحل التاريخي النهائي لهذه المجتمعات. بناء على ذلك، تولدت حالة من الإحباط القتصادي والجتماعي، جرّاء خيبة الأمل من مشروع الدولة الوطنية القائمة على أنقاض نظام الحماية، التي كان من المأمول فيها أن تستجيب للآمال الواسعة للشرائح المجتمعية، وللفئات المتضررة ، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، المجتمع والدولة في المغرب العربي عبد الباقي الهرمسي، ((( . 83 )،ص 1999 ، 3 ط . 230 مصدر سابق،ص المغرب المعاصر، محمد عابد الجابري، (((

25

من السياسات الستعمارية. سواء في استرجاع الهوية المحلية الإسلامية، أو في تحقيق المطالب القتصادية والجتماعية. ولأن ذلك كله لم يحصل فإن الحركات الإسلامية، ملاذًا يجمع أولئك الذين أغفلهم التحديث " ، تصبح في هذه الحالة " أوليفييه روا " وفق الفاشل؛ إذ تعمد هذه الأخيرة (الحركات الإسلامية) إلى تعبئتهم حول أسطورة العودة . ((( " إلى الأصالة الإسلامية ونظرًا لما أضحت المدن توفره من فرص الشــغل جرّاء تنامي بعض المشــاريع الناتجــة عن عملية التحديث الصناعي، فقد أدى النزوح الكبير لشــرائح واســعة من القرويين نحو المدينة من الذين كانوا يرغبون في حياة أفضل وطامحين إلى تحســين اصطدامهم بواقع اجتماعي سبّب لهم إحباطًا شديدًا جرّاء " وضعيتهم الجتماعية، إلى . ((( " حقائق الفقر المعشّشة في المناطق الحضرية العشوائية والأهــم مــن كل ذلك، هو تعرض هؤلء النازحيــن لصدمة ثقافية نتيجة حداثة عهدهــم بالمدينة، بما هي مجال لقيم ورمــوز ومعان وعلاقات من طبيعة تفترق عن نظيرتها في الريف؛ ذلك أن خسارة المنطقة الأم، أي خسارة القرية والبلدة والروابط التي تشكّل قاعدة السلوك ومعيار النظر إلى الأمور – العائلية الممتدة والقيم التقليدية . ((( غالبًــا ما تكــون مصحوبة بصدمة الحياة الحضرية وثقافتهــا وأخلاقها المتغربة – لهــذا، فالهجرة المســتمرة من الريف إلى المدن كانت عامــً أدى إلى تفاقم العديد من الأزمات، وســببًا لحالة من عدم الســتقرار، كان من نتائجها الرئيســة نمو ضواح كثيفة السكان حول المدن، من تمظهراتها نقص في المساكن والبطالة وتردي الخدمات الجتماعية. وهكــذا، تتحول الصدمة الجتماعيــة إلى صدمة ثقافية، نتيجة انفصال النازحين الجدد عن الســتقرار الذي كان يميز أســرهم، بمعنى أن هؤلء النازحين يميلون، في المجتمــع المدني العام، إلى أن يتفقدوا موروثاتهم النفســية والجتماعية حين تنهال عليهم قيم بيئية أجنبية عنهم؛ حيث يحاول هؤلء النازحون في ظل جو الوحدة الغريب ، " دكمجيان " والتفتــت الجتماعي الــذي أصبح يميز حياتهم في المدينة، كما يشــير ، ترجمة: نصير مروة، (القاهرة، دار الساقي للطباعة والنشر، تجربة الإسلام السياسي أوليفييه روا، ((( . 186 )،ص 1996 . 43 ، مصدر سابق،ص التهديد الإسلامي خرافة أم حقيقة؟ جون ل. اسبوزيتو، ((( . 28 ، مصدر سابق،ص الأصولية في العالم العربي ريتشارد هرير دكمجيان، (((

26

يجدوا بيئة اجتماعية ملائمة، ووســيلة للخــ ص، عبر النضمام إلى الجماعات " أن الأصوليــة. فالوضع في المدينة يجعل من هــؤلء المدنيين الجدد عناصر ذات قابلية . ((( " خاصة للتجنيد على أيدي الشخصيات الآسرة أو ممثليها ب. صعود الطبقة الوسطى من المؤكد أن المجتمع المغربي التقليدي كان مجتمعًا تراتبيّا، يتميز فيه الأغنياء عن الفقراء، ولكن التحولت الكبرى التي أحدثتها سياسة الحماية، تمثّلت في الجوهر؛ في تحول تركيبة الطبقات الجتماعية الحضرية، من تقســيم طبقي تقليدي إلى تراتبية أفــرزت طبقات اجتماعية جديدة، العمــال أو البروليتاريا، ونوعًا جديدًا من " جديــدة الطبقة الوســطى مكوّنة من أطر الإدارة، وكُتّاب إدارة الدولة، وكل الذين يشــتغلون . هذه التفاوتات في المنظومة ((( " في الخدمات التي نتجت عن ولوج التعليم العصري ، إل ((( " فكل شخص يعتبر نفسه في الموقع الذي اختاره له الله " التقليدية كانت مقبولة أن التحول الذي جرى بفعل قوة الجتثاث الذي سهر على تنفيذه نظام الحماية، أدى إلى تحول مســتويات الوعي لدى هؤلء المجتثين، بحقوقهم القتصادية والجتماعية والثقافية، مستفيدين بذلك من تنامي الوعي بعنصر الهوية. وتجدر الإشــارة في هذا الإطار، إلى أن الطبقة الوســطى المقصودة هنا تضم بالأساس صغار البورجوازيين وجماعات الموظفين العاديين والبيروقراطيين وأصحاب المحلات والمهنيين والمدرسين؛ فقد كان معظم الذين ولجوا سلك الوظيفة العمومية في هذه الفترة من أبناء الفئات الجتماعية التقليدية، الذين توافرت لهم فرص التعليم المجانــي في المدرســة الوطنية، وحصلوا على وظائف في القطاع العام كمدرســين ومهندسين وأطباء...إلخ. ، ((( " محمد الكوخي " و " إبراهيم أمهال " وكانت أغلبية هؤلء، كما تشــير دراســة مــن أبنــاء البوادي الذين انتقلوا إلى المدن أو أبناء المهاجرين الســابقين من البوادي . 82 المصدر نفسه،ص ((( . 12 ، مصدر سابق،ص المجتمع والأسرة والنساء المختار الهراس، ((( (3) André Adam, " Les Classes Sociales Urbaines au Maroc " , Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée , n° 08, (1970), https://bit.ly/37WEjZ2. . 424 ، مصدر سابق،ص الإسلام السياسي ومأزق الدولة الحديثة محمد الكوخي وإبراهيم أمهال، (((

27

إلــى المــدن. وانخرطوا انخراطًا كبيرًا في دينامية التحديث التي كانت المدن مراكزها الرئيسة، لكنهم لم يتخلوا عن موروثهم الثقافي الذي كان سؤال الهوية قد ترسّخ فيه منذ مدة ليست قصيرة، كنتيجة للتحولت العنيفة التي حدثت جرّاء التدخل الستعماري وتحطيم البنيات التقليدية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفئات ظلّت تعارض تذويب الروح الإسلامية تحت تأثير التغلغل الأجنبي، سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا، هؤلء أناس مخلصون في تدينهم، وانخراطهم في الحركية الإســ مية جاء نتيجة تصورهم للخطر الناتج من قبل الدولة والعالم الخارجي، والغالب أنهم يرون الخطر يؤثّر على شــخصيتهم الدينية التقليدية ومصالحهم القتصادية معًا. وقد أدت سياســات الــدول العاملة ضمن إطار القتصــاد العالمي إلى زعزعة الوضــع الجتماعي القتصادي للطبقات الوســطى؛ إذ تقلصــت إلى حدّ كبير فرص التحــرك أمام أفراد الطبقة الوســطى بل أصبح من الصعب اســتمرار هذه الطبقة من خلال الحفاظ على وضعها الجتماعي والقتصادي؛ مما أدى إلى حالة من الحرمان النســبي. وإلى جانب ضروب الإحباط التي أحاطت بعناصر الطبقة الوســطى انضاف اغترابهــم الثقافي عن النخب السياســية والقتصادية. وهذه الفجوة الثقافية قد عززها اتساع الفجوة القتصادية التي لم يستطع أفراد الطبقات الوسطى تجاوزها على الرغم من مستواهم التعليمي المرتفع نسبيّا. وإذا كان التعليم العالي قد أسهم في زيادة مستوى الوعي الجتماعي بين فئات واســعة من الطبقة الوســطى؛ فإنه مع ذلك، لم يسهم في تحسين الوضع القتصادي؛ الأمر الذي عزّز وعمَق شدة حساسية أفرادها للظلم الجتماعي القتصادي وللاعتداء " ؛ إذ إن من المؤكد أن معاناة قطاعات واسعة ((( " الثقافي الغربي على هويتهم الإسلامية من الشباب الذين رَمَتْ بهم الهجرة الريفية إلى ضواحي المدن، بجانب أبناء الطبقات الوسطى المدينية، من البطالة أو لجوءهم إلى ممارسة أعمال هامشية غير مشبعة وغير . ((( محققة للذات؛ قد ضاعفت في أوساطهم مشاعر عدم النتماء والغتراب من ثمة بدأ الوعي الجماعي القائم على الهوية الإسلامية يتأطر في مخيال الطبقة . 83 ، مصدر سابق،ص الأصولية في العالم العربي ريتشارد هرير دكمجيان، ((( ،) 2005 ترجمة: نبيل سعد، (القاهرة، دار العالم الثالث، جهاد: انتشار الإسلام السياسي، جيل كيبل، ((( . 84 ص

28

الوسطى؛ وهو ما استندت عليه الحركات الإسلامية في مرجعياتها التأسيسية، كما سنرى في محور قادم، عبر إحداث القطيعة الثقافية مع منطق الحداثة الدنيوية، كما يســميها ، التي تعزو إليها هذه الحركات، كافة اختلالت مجتمعات العالم الثالث ((( " جيل كيبل " ابتداء بالتفاوتات الجتماعية وانتهاء بالســتبداد، ومن النقص الكاسح في الستخدام إلى الفســاد الغالب العام. ولأنها تضم بين صفوفها العديد من أصحاب الشــهادات والختصاصات ولسيما في الميادين العلمية، فإنها تطمح إلى فصل التقنيات، وأكثرها تطورًا بالذات والتي تعتزم تملكها والتحكم فيها، عن قيم العلمنة والدنيوية التي ترفضها وذلك من أجل تنصيب خلفية حياة يغلب عليها خضوع العقل لله. تتماشى مع النتائج الميدانية التي توقفت عندها ((( " فرانسوا بورغا " ونجد أطروحة هذه الدراســة، فالنفجار السكاني والضربات العنيفة التي توجهها الأزمات، كل ذلك يطفئ شعلات الأمل الأولى في مجال التصنيع، ويزيح القناع المتفائل الذي كان يغطي يقلّلون من التعبير عن إنجازاتهم التي تتخذ " بالحداثة " الواقع، وبدأ أولئك الذين يعدون صورة كشف حساب يعكس ما أحرزه من انتصارات، فظهرت تلك الرسوم البيانية التي أحداث الدار " و " مظاهرات الخُبر " تعكس التردد في وجود الأرقام، وسمعنا هنا وهناك . " أحداث الجزائر " و " البيضاء ت. من أزمة الهوية إلى السلطوية السياسية بنى النظام السياســي المغربي شــرعيته على الإرث التاريخــي للملكية الممتدة فــي جــذور التاريخ، وعلى نضاله الملتحم مع الإرادة الشــعبية لطرد المســتعمر، ثم على المقدّس الديني وما يحمله من رمزية هوياتية لدى الشــعب المغربي. لكن بعد الستقلال سيتم التشبث بمشروع الحداثة والتغيير كشعار للبناء السياسي والجتماعي والقتصادي للدولة، لكن مســار هذا المشــروع ســيصطدم مع اســتمرار الأولويات الموروثة عن الستعمار في تدبير الشأن العام، ومع تنامي أشكال من الحتكار والفساد الذي تفشى على نطاق واسع في بعض القطاعات الحيوية للبلاد؛ مما أسهم في تفاقم )، ص 1992 ، ترجمة: نصير مروة، (القاهرة، دار قرطبة للطباعة والنشر والتوزيع، يوم الله جيل كيبل، ((( . 16 ، (القاهرة، دار العالم 2 ، ترجمة: لورين زكري، ط الإسلام السياسي: صوت الجنوب فرانسوا بورغا، ((( . 84 )،ص 2001 الثالث،

29

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200

Made with FlippingBook Online newsletter