أ. البيئة الحاضنة تســاعد عملية الحفر في الســيرة الذاتيــة للمتحول نحــو الراديكالية، في فهم بعض العوامل البيئية التي أســهمت في تنشئته الدينية والروحية، مما يعني استخلاص المتغيرات البرّانية التي تســهم في تشكيل الوعي الأولي، الذي يعتبر القاعدة الأساس في رسم مسار حياة أي فرد. تماشيًا مع الفرضيات المنطلق في هذا البحث، يقتضي الأمر طرح السؤال على النحو التالي: هل تلعب الأصول الجتماعية والثقافية للمبحوث دورًا في تبلور الوعي القائــم علــى رد فعل تجاه منتجات الدولة الوطنية الحديثة؟ هل يعتبر المبحوث نتاج بيئة الحداثة القسرية؟ وما ردود الفعل التي أبداها تجاه إفرازاتها؟ في الواقع، ل تعتبر هذه الأسئلة إيجابية في عملية التنقيب والبحث في سير عيّنة النشــطاء المبحوثين، دون الوقوف مليّا حول المتغيرات الذاتية التي أســهمت بدورها في عملية بناء الهوية الحركية الإسلامية لدى المبحوث فيهم. وهنا نتوقف عند مدى استعداد هؤلء للبحث عن مرجعية مشتركة مع أفراد آخرين، لتأسيس فعل جماعي يلبي حاجاتهم الحركية؛ فماذا كان يروج في خَلَد هؤلء قبل التأسيس للفعل الحركي؟ من الملاحظ أن معظم المؤسسين للعمل الجماعي الإسلامي، من العينة المدروسة، كان يتملكهم هاجس الحفاظ على الهوية الإسلامية المحلية، وهو ما تبدّى بشكل واضح فــي بحثهم الحثيث عن النتماء إلى إطار يعبّر عن هذا الطموح. فنجد بعضهم انتمى بالأمر بالمعروف والنهي " ، وآخرين إلى حركة ما سُــمّي " حركة الدعوة والتبليغ " إلى ، كما انتمى آخرون إلى بعض الطرق الصوفية. هذا؛ ونجد أيضًا من كان " عن المنكر منضويًا تحت لواء أحزاب الحركة الوطنية، خصوصًا حزب الســتقلال، وذلك بحثًا فيما كان يمثله تيار السلفية الوطنية من داخله من الحفاظ على مكون الهوية الإسلامية. وعندما عجزت هذه التنظيمات الأخيرة عن إشباع توجهاتهم النفسية والموضوعية، أو بمفهــوم نظريــة التأطير إعطاء معنى للأفكار والرموز والشــعارات التي تتبناها بما يتوافق مع المشروع الإسلامي الذي تطمح له، وذلك لمجابهة معطى موضوعي متمثل بالأساس في إعطاء بديل للوضع الجتماعي والسياسي الذي آلت إليه الدولة الوطنية، كنتيجة لفشل شعارات الحداثة والمعاصرة التي رفعتها إبّان الستقلال، جرى التفكير في إطار يلبي تلك الحاجات الأيديولوجية والنفسية والهوياتية.
80
Made with FlippingBook Online newsletter